Saturday, October 24, 2009

السّير على الحافّة

كالعادة حينما تردادني الكلمات بدون سابق انذار تتطفّل على عقلي و تملي عليه ما تريد حين يغادرني الأنا و يحل بي ذلك الأنا الآخر ليختلط أمري عليّ بالحاح ..توقّفت عن العمل و قد ضجّ قلبي بكلمات لم اكن متيقّنة ان كانت تحتمل أي معنى بعد أن ظلّت تقنيات اللغة امكانات الماضي . كنت قد خرجت بحثا عن العلف للخروف الذي قرّر أبي احضاره قبل شهر من موعده  و أنا أفكّر بيني وبين حالي من اضطراري القسري للعناية به لما ظلّ من الوقت و التفكير فيما اذا كان من الهيّن بعد مرور الوقت  التقدم به كقربان لربّ العالمين . سامح الله أبي فكلّ هذه الأعوام كانت عيناي تفيضان من الدّمع عند ذبح خروف ظل عندنا ليوم وليلة .. و ما ترى يكون حالي مع هذا الضّيف الذي سيمكث لشهر و ليس هناك غيري للعناية به .. توقفت عند البائع الأول و سألت عن سعر العلف .. تردّده في الجواب جعلني أشكّ فيه ولذلك فقد قمت بالتجوّل في المنطقة كلّها حتى لقيت بائع علف غيره و أيقنت أنّ الأوّل سارق و فرحت أن كهولتي قد أسعفتني بأذن يمكنها التّمييز عند محاولة التّظليل ..ألقيت بالعلف بالسيّارة و رحت أنفض ما التصق بأدباشي منه و أنا أتحسّر على ما نال السيارة من أوساخ وانطلقت في طريق العودة الى المنزل كان هناك سبعة صبية على جانب الطريق الواحد تلو الآخر يتبارون في عدم السقوط عن حافّته ..كانت تلك أحد البهلوانيات التي مارست طيلة أعوام الصبا .. أطلقت نفير السيارة سعيا لتشتيت انتباههم علّ بعضهم يسقط عن الحافّة و لم ينتبه منهم أحد.. ظلّوا على تركيزهم و كدت أتوقّف لملاحقة خطوهم و السّير على الحافّة مثلهم .. كنت في ما مضى أرفع يديّ كتقنية للمحافظة على التوازن تماما كما رأيتهم يفعلون الاّ أنّي وبخلافهم لم أكن أتبارى مع أحد ..كنت ألهو بالسير على الحافة و كلّما قلّ عرضها كنت أجد متعة في عدم السقوط .. وأحيانا كنت أسقط بدون سبب و تدمى يداي وركبتي فأغضب و أحرج قليلا من ضحك البعض من رعونتي و لكنّي كنت أرجع للسير على الحافة مجدّدا ..تمنّيت لو وقفت و لكنّي لم أفعل فلم يكن من الممكن أن أفعل ذلك و قد يظنّ بي الخبل ..  ظلّ عقلي مشغولا بذلك و قد تهيّج بلهفة لعمر الصبا ..  لمجرّد حدث واحد هو السّير على حافة لا يزيد ارتفاعها عن عشرة سنتمترات و عرضها كذلك ..الكثير من العمل ينتظر الانتهاء منه .. أمّا أنا فأجدني أقلّب فرصي الممكنة للسّير مجدّدا على  أيّ حافّة    

Friday, October 23, 2009

علبانيّة .. مقيتة

خلقت في بداية السبعينات  و كانت البلاد حينها علبانيّة ..المناهج التّعليمية ترتكز أساسا على المواد العلمية و لا وجود للخلفية العقائدية سوى في مادة وحيدة تسمّى بالسّير و العبادات وتتناول أبجديات السيرة النبوية وأركان الاسلام الخمس و تتطلّب القليل من حفظ آيات القرآن من قصار السّور و بالثانوية ولنحو ثلاثة أعوام ندرس مادة التربية الاسلامية لساعتين أسبوعيا وكفى ..و تنتهي علاقة التونسي عند ذلك الحد بالدين وفي هذا فليتنافس المتنافسون .. طبعا اليوم وفي أيام الكهولة أتملّى ذاتي كصنيعة العلبانية لأنّي أظنّ على المصطلح الفعلي "العلمانية " أن يعبّر على شيء من السياسات المعتمدة في شتى القطاعات بداية من المناهج التّعليمية نهاية لما يصدر عن نوّاب الشعب من ...قوانين  ..و العلبانية من كلمة علبة بمعنى ذلك الشيء الفارغ الذي جعل ليحتوي كل شيء الفراغ و التسويف و حتى الرّداءة ..يقول تعالى "و ما خلقت الانس و الجنّ الا ليعبدون " كم من تونسي سينظر لهذه الآية الكريمة على أنها لاهوت و تنظير بل كم من تونسي يحسب الشيطان فكرة كرتونية من خرافات الزّمن الغابر ..أقول علبانية لأن حرّيتنا العقائدية و أرواحنا ضمّت لعلب الجري في الدّنيا جري الوحوش فصار المرأ فينا يتجرّأ على الله قولا وفعلا و يخاف الناس و يوقّّر من لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ..و صودر حقّنا في المعرفة الحق .. ولا أدري اليوم اذا كانت رسالة الغفران بما تضمّنته من شرك أو قصّة السّد بما تضمّنته من مجادلة عن سرّ الوجود قد تنفعني و قد مضت سنوات الشباب جميعا من دون أن أحبّ الله أو الرسول كما ينبغي لي أن أكون .. معتقدة بأنّي بأفضل حال لمجرّد الايمان بأن الله موجود ... اليوم وقد تخطّى بي العمر أيام الشّباب أقرأ القرآن فأبهت لما ضاع من عمري و ما فرّطت في  جنب الله وكم كبائر استصغرها قلبي الأعمى عن أبجديّات الايمان .و لا أدري لماذا العلبانيّة قد صادرت العقيدة في حين أن الدولة العلمانية بحق تسيّرها حكومة تقنوقراط تعتمد بالأساس على مؤسّسات الدولة فلماذا انحرفت الفكرة ليصير هناك عداء لعقائد الناس ..لو كنت يهودية لتلقّيت تعليما دينيا خاصّا صارما داخل هذا البلد دون أن يعترض أحد ولكنّي مسلمة و لذلك فانّ ما و جدت  التّسويف و الالتفات عمّا هو غذاء لروحي والا كيف تدرّس رسالة الغفران للمعرّي بما فيها من تهكّم على المعتقد الديني للمسلم وتقدّم لي على أنّها مادّة أدبيّة دسمة و لقد ظننت ذلك فعلا و أذكر اليوم كم شغفت بما جاء فيها ولم ينكر قلبي الجاهل حينها شيئا مما كتب ..ان كانت الدّولة علمانية فلا ضير ولكن ذلك لا يعني أن نكون دولة لا دينية تهمّش البعد العقائدي لمن يرغبون فيه هاهي  اسرائيل كيان  علماني و لكن حرية المعتقد عندهم مكفولة .  و رحمة بالأجيال القادمة أصلحوا المناهج العلميّة حتى لا تصنعوا وحوشا للمستقبل و تجعلوا من هذا الوطن مفازة ... انا نقضّي سنوات مديدة على مقاعد الدراسة و لذلك فمن واجب الدولة أن تقدّم معلومات مستفيضة عن العقيدة خلال السنوات الأولى بالذات و الا فكيف يمكن للمرأ أن يعرف حلالا أو حراما ..يا الاهي اني أتفاجأ بالكثير من الشّرك فيما أعمل اليوم و أنا على عتبة الأربعين فيا علبانية الثلاث و الستين عاما كم من مسخ أهديت الدّنيا ..  اليوم مررت من أمام مقبرة الجلاز و كان هناك موكبا لدفن شخصين و تسائلت ماذا عنّي حين أشيّع .. هل أحسب سوداوية .. كلا انها عقيدتي لقد شاهدت أحبّة يرحلون ناسا كانوا بيننا لم يكن المرض فقط سبب موتهم و لا التقدّم في السّن بعضهم مات بسكينة بدون أي سبب وفاة طبيعية ..هذا وجه للأمر و الآخر أن الحياء و الأخلاق قد عدمناهما في شوارعنا و بوسائل النقل العمومي و حتى بالمسجد ترى أمورا مبهتة..صرت على عتبة الأربعين و أنا العلبانية لا أكاد أجد للحياة معنى لا أستقيم على حال وقد عوّجت العلبانية هامتي و جهامتي و ارادتي و حوّلتني فقط على بلادتي لا أكاد أغادرها متجهّمة الاّ لأعود اليها على عجل ... فالعلبانية لا تهدي سوى الخواء بئسا ما هي .. و  للعلبانيين غيري أنا حرّة في التبرّم من الخواء حرّة في المطالبة بالرجوع عن مصادرة حرّية المعتقد حرّة... على ما أعتقد ..        

Tuesday, October 20, 2009

ادبار

حضر اللّيل متسربلا بشبهة نهاية ..و انكفأ دوني يصيخ السمع للنّهار المدبر..  في حديث الملائكة العارجين للسماء محمّلين بسجلاّت خلق كثيرين ... يصّعّدون وقد تثاقل اللّيل يغرس ألف حكاية مملاة من وهم تلطّف الخلق بعضهم ببعض وحديث عن الوسطية و القبول بالآخر و المحاكمة مرافعة متماثلة للتشدّق باحتكار الحكمة .. و الليل يدري أن مكمنها السماء . قال لا تلومي برودتي.. فأنا أتحجّر  من عسير ما أجد على هذه البسيطة من جمود البشر .. و أقبل الفتى بجهده المعتاد يمسح عن وجه الدنيا ما عبثت به أيد لاهية و الليل يدني عليه نظرات جليدية قاسية ... يأخذ القمامة و يرميها في  الحاوية و يعاود الدفع أنظر اليه كلّما شقّ عليّ النّوم .. و أنصت لحسيس نعليه أتبسّم لجرّه رجليه المنهكتين و أكاد أعبث بجدّه لأثنيه عن ارهاقه لذاته بتزيين وجه المدينة القبيح ,الذي خبّرني الليل بأن لا جهد يجمّله أبدا و مرّت سيّارة عابثة ...  ألقى البليد منها علبة جعة فارغة للطريق  مرّ المعذّب لمنتصف الشارع وحمل العلبة و ألقى بها بالحاوية و انقبض صدري . ليتك تكون على غيرجدّيتك يا فتى و ترحم عظامك المهترأة من كيدك المتزايد في اجهادها .و أفّ لذلك المسخ ما أقبح فعله .. دنا الليل من نافذتي وزأر قال كفي عن لؤم التّجسّس .. فقلت انما أحنو على الفتى باهتمامي  ولا أكيد الاّ لنفسي أشقيها بمراقبة عذابه .. فانصرف بأذيالك عنّي يا أيّها المدبر باقبالك .. ثمّ جاس أحدهم تحت النافذة يتقيّأ رعونته والليل يشتهي طحن عظامه يصيح بي ما أشدّ ابتذالكم للزمان يا هذه و انقطع النفس عني من الدّهشة حتى اختنقت ..  ما لي و الدّنيا ومن فيها .. جلست لفراشي غير بعيد عن النافذة وعلى جنبي الأيمن اقتداءا بالحبيب اضطجعت و غالبت نفسي في التململ نحو اليسار و بالكاد تذكّرت التشهّد ..  قمت بحساب صنف من البشر ممن عرفت أحصيت قرابة أربعينا منهم , ثمّ التقمني الكرى فنمت   ...  دون تفصيل الحديث مع ليل منهجيّ اخترق الوجود ليكون من الماضي فغير بعيد لصباح مدبر جلست ..             

Monday, October 19, 2009

تطرّف

حين تعتقد أن صورة الأشياء و المشاعر أوضح في رأسك من أن تغفل حقيقة أنّها جزء من ذاتيّتك التي تحكم كلّ مافيك ..حينها تكون متطرّفا .. فالوضوح أوّل دروب زيغ البصيرة..  حينما تعتقد أن ما تظنّ هو الحقيقة المتماهية مع ما هو موجود و تجلس لبعض قهوة تقلّب مساحة الظنّ لدى غيرك تعنى بغير شأنك فأنت فضولي و المليح أن يحشر رأيك ما بين شفتيك و قهوتك فتبتلع كلامك .. مابين سخف الجهد وارتسام فكرة أبتلع مثلك الكثير من الغباء و التطرّف ..مع بعض قهوة..  أنت .. الذي لا أرى ..و لم ألتقي ..ذلك الحبيب الذي لم أسعد بأن ألتقي  ..عفوا فالعبارة مخلّة بالأدب و لكني  لا أعنى بغير العلم بسماء تلتحف و جهك المجهد بحبّ الله و النّوم على بصيرة بألم من هم حولك ..بروح تسكن جنبيك تطلع الدنيا على الرّفق بالناس بظهر الغيب .. تجلس متأدّبا في صلاة بقلب منيب و تعتمر الاحتساب ..ما أشدّ وطأة الغربة ..ولكن حسبي الاصرار على الثّبات حيث أنا .. ما  بين أمل أن تبصر بي و فرح البقاء بين جنب الله أفرح بالرّضا بما منّ عليّ من نعمة البصيرة ..بين الاطمئنان لقليل الأفكار التي أبتلع بين رشفة قهوة و خبر و حسرة الخطو تحت السماء المتلبّدة بالغيوم بدونك ..مرّ زمن و ظللت على طفولة مشاعري و قد ظهر الشّيب متحدّيا جمود قلبي و تصميم خاطري في الانتظار على مفارق الجهد أملأ عقلي بشتّى مشارب الظنّ و فيك أزعم اليقين و يسمّى ذلك عند النّاس ..تطرّف                    

Saturday, October 17, 2009

غربة

ظللت أفكر لبرهة ..ماذا لو حلّ بعضهم بمنزلنا و ادّعى أنه ملكه لأن الربّ وعده ايّاه و صدم عقلي ..قلت فلتكن لي عقليّة الغرب الانسانيّة و أتفهّم أن ذلك الأجنبيّ لقي الأمرّين من الغربيّ نفسه و انّ الأمر يتجاوز مسألة تهجيرنا من منزلنا و انبتاتنا قسرا عنه و أنّ الأمر ربّانيّ تلى ألف سنة من التيه ..فأصابتني لوثة ولكنّي جزمت أنّي لن أترك بيتنا ولو هلكت دونه ..ثم فكّرت في جارنا الدّكتاتور و سنوات العذاب التي جرّعنا أنا وعائلتي و خمّنت على طريقة رعاة البقر أن يأتوا كالرّعاع فيحتجزوه زمنا ثمّ يعلّقوه على مشنقة صباح العيد وتجمّد الدّم في عروقي و الله لأهلكنّ بين قدميه قبل أن تغتاله أيد أجنبيّة متوحّشة لطالما خطّت فصول الألم على جبهة الانسانيّة.. كثيرا ما نخطىء في تحديد أولويّاتنا و سريعا ما نغفل صفحات التاريخ تطويها رعونتنا فنقع في ذات البذاءة التي صرعت كرامتنا .. ظللت أدّعي التفكير و قلبي يمضي سريعا أولويّاته بفطرة القدامى لا أتسرّع في مصالحة أخطاء الماضي و جمد رأسي بين راحتي ..لماذا ننسى ..ما أتعس تشرذمنا داخل الأوطان رحل علي و عمر و عثمان و قبلهم أبا بكر و ابن العاص و ابن الوليد وخلفهم قادة كغثاء السيل بل أوهن ..بعضهم في خريف العمر يتنادى مع الجياع علينا و نسوا أنهم  بنفس القصعة معنا و مثلنا سيكونوا بأفواه الّلئام لقمة  ..  لم يقنع رأسي بالمكوث حيث كان ..و طأط نحو الأرض رقبتي وعيناي ما أشدّ و طأة الهزيمة على قلب جوعان للمسرّة ..أحلم ذاتي كلّ ليلة بأنّه لا يزال فينا بعض الرّجال وبعض من عزيمة لتكون الحقيقة على الأقلّ فينا معلنة ان لا تملأ شوارعنا بألف ألف مسيح دجّال و أن يكون فينا أصحاب فضيلة و أترك نفسي للغربة أعتمرها ما شاء لي الله أن ألبث في رحابها كي أفكّر لبرهة و أتّخذ القرار بأنّ الغربة على مرارتها فعل حكيم لكي لا أفقد منطق من أكون على مشارف خريف سادس و ثلاثين يرقبني من قريب ..         

Wednesday, October 14, 2009

ما بعد التّيه ..عود على بدأ

خرجت بنات آوى للغابة و الضّباع والثّعالب يرفعون آيات العرفان والتقدير ..و ظلّت الأرانب يتهافتن على أكل العشب الذي رزقهم ربّ السماء ..ضجّت الغابة بالأهازيج و ضاقت ببعض أهلها بما رحبت لا يجدون حيث تصرف رؤوسهم بمنأى عن آي النفاق خوفا من أن تتلبّسهم فيهلكوا دون وعيهم ..علت النتونة أرجاء الفلاة حتى اختنقت الملائكة فضجّت بدورها وعرجت للسّماء ما ظلّ على الأرض مقام و قد كثر فيها الكمد و العناء ..اقترب الحمار من الحشد فالتقموه وعادوا للهتاف و التصفيق ..اقترب آخر و لقي مصير سابقه ..و اقتربت الأفعى فلقيت التّرحيب ..الوحوش تعرف بعضها بعضا و تنتخب شرارها باعتراف فطري و بدون اقتراع و لا تشبيب فكلما هرمت عظام الأوحش منها عشقوه و كأنه نبيذ كلّما تعتّق غلا و لو أنّ بذرته الأولى فعل اختمار و عنب رخيص و اسم مذاع لغير العلوّ دنا و الثرى أشرف منه يعلمه الحمار و الأرنب و الضبع وحتى الفراشة و ان لم يظهر عليها اكتراث و لكن العلم لا حدود لاختراقاته ..هكذا وقد على بالغابة الصخب و العواء و النباح لا بلابل في الغابة فقط منكر الأصوات علت بالتطبيل و قالوا هذه الأشجار و هذه السماء و أديم الأرض و عشبها من صنعنا فوقّّعوا معاهدة الصلح وادخلوا في السّلم سنجعل منكم للغول ترياقا و نعدكم بالحفاظ على عديد أجيالكم فمن جاء دوره اقتراعا فليتقدّم و لا يكبّدنا عناء الجري في أثره ..و تلى الضبع نصّ المهادنة كان ..ذجلا بما كتب و ان تعدّدت أخطاء النحو و الصّرف  ..صفاقة الضبع لا تجعله يفهم خطئ الكلام واللغة و الذيب ظلّ سيّدا للوحوش يدّارك ارهاقه وقد بلغ الوهن فرائصه يجتهد في البقاء واقفا على مؤخّرة سمينة.. يرسم على محيّاه القاتم وجها حكيما لذلك الذي يربّط على ذيله ينتظر أمرا ليقبضه ..و الأرنب الألثغ العائد من التّيه لمن يعرفه ..يتسائل كيف تفتّح الأرض عن هؤلاء مجدّدا ألم يردهم التيه فكيف عادوا الى الغابة و كيف اجتمعوا و تذكّر أنّهم كغيرهم سيعلون في الأرض مرّتين ... لم ينطق كلاما و حدّث نفسه همسا فلم يظلّ بفيه سنّ وهو يعلم بنات آوى لن يشفي غليلهنّ بعد هذا سوى طحن عظامه فادّارك أمره و حيّا على النّجاة وهو يعلم أنه قد يدفع في الغد للغول ليدفع به لخبر كان ..ظلّي يا وحوش ارتعي و اجتمعي وقرّري واقترعي على حياة الأرانب و اتّفقي غدا ربّ السماء ينزّل بك التّيه مجدّدا فامرحي ما شاء لك  أن تفرحي..             

Tuesday, October 13, 2009

"البؤساء"

هناك شيء في عيون الناس و حركاتهم تجعلني أنظر الى كل واحد منهم كأنه جان فالجون يخرج من رحم القصة الى الواقع المعاش ..لا أدري ان كان الأمر من وحي الصّدفة أو لأنّي أشكو ذهانا يجعلني لا أرى الاّ المأساة حيث تتطلّعت ..مسنّون عديدون بصدد العمل يعانون المشقّة بكنس الشارع أكاد أراهم في كلّ مكان و أحسّهم كذلك الفالجون تضيق بهم الدنيا من أجل رغيف خبز ..حركاتهم المنهكة أصلا بانحدار خط العمر ..أراهم ينكفئون للأرض يرفعون عنها أدرانها و الاجهاد يدفع عنهم أي ظنّ بحسن الحال ..لا أعلم سوى أنّي لا أبالغ بمعاينة بؤسهم هؤلاء الذين كان قد آن لهم أن يرتاحو ولا بأس ان كانت راحتهم بالقليل الذي يضمن لهم الكفاف ولكنّهم حيث هم بؤساء بالعيش ..الخرافة في أنّك بعد أن يمضي عليك دهر من الزّمن تتغيّر فصول الانهاك لتتحوّل للركود عند هؤلاء زيف معلن ..يحضرني حديث بعضهم لي حول الحراسة ليلا رجال ستّينيون لن يفقهوا حجم المعاناة التي يعيشون يخبرون عن أعوامهم المديدة في السهر و ارتياد برودة الليل لحظة ادبار التاريخ بأحد فلوله يسامرون التّعب ..ونساء هزيلات يعانين أمراضا مزمنة بين مسح و كنس وشقاء وجوههن المجهدة خبر معلن لا يكاد يخفى و ان تجّملت المدينة بغيرهن ..عيونهن المرتابة من حصول الرّاحة يوما مثقلة بالحزن ..لقد شاخ الوطن ببؤس ضعاف القوم فيه و اقامتهم بدار الجهد حيث كان من العدل أن يرتحلو لبعض راحة و ما من صريخ ..لن يكون الاّ لقريحة فيكتور هيغو مصداقيّة الوصف  ليعبّر بالصدق عن بؤسائنا فما أشبه فانتين و كوزات بالعديدات ممّن نلاقي ههنا و ما أشبه الكثيرين بجان فالجان ..ههنا حيث يختلط الأسى باللامبالات أدرك أن حجم العناء يسوّق لهؤلاء على أنّه قدر و أذكر قول ربي "أرأيت الذي يكذّب بالدين ،فذلك الذي يدعّ اليتيم ولا يحضّ على طعام المسكين .."وأتسائل ان كانت اللامبالاة أحد آيات النّفاق وتخبرني نفسي بأنّها تعلم الجواب ...   

Monday, October 12, 2009

التّطفية ..ساعات آثارها ..كارثيّة!!

مشيت نوصل في خالتي لدارها ..مخكم ما يمشيش لبعيد راني مسالمة برشة و حياتي الكل مالوسطيّة عمري ما خرجت..و بالتالي فآنا نحكي على دار  خالتي بالحق ..المهم وقفت نحكي معاها في الكرهبة و الشتا خيطين من السماء نشوف في زوز وليدات مابين ثلاثة و أربعة سنين يلعبو ووسطهم بالطبيعة أمهم الّي كانت لاهية بالكلام في التلفون ..هاكة المشهد انتبهتلو و لفتّ انتباه خالتي الّي قتلي اللي الأم عمياء و خدمتها انها تتسوّل بهاك الوليدات الّي يا كبدي هومة الي يساعدو فيها باش تتنقل بالدارجة "يقاودو فيها "بثلاث نقاط على هاك القاف ..شعر راسي وقف ..هبطت ما غير قدرة و شقّيت الكيّاس وهاك الممسوخة عاملة روحها تحكي في البورطابل ..مرة تنوّح و مرّة تصيح وهاكة لوليدات تحت رحمة ربي ..و الشتا نقصد المطر ..المهم طلبت هاك النّومرو الأمني العزيز على خاطر آنا مع الصغار ما نفهم شيء وهاك الولاد كانو في وضعيّة تهديد لحياتهم و قاعدين يتجرعو في العذاب ..كيفاش عرفت سامبل كيف قربت لهاك الغولة شميت ريحة الشراب واحد..و سألت لوليّد اذا كان أكل والجواب كان النفي  ثنين .. عاد هزّو عليّ شرحت الوضعيّة على خاطر نعرف الّي في هالبلاد فمّة مراكز ينجموا يعطيو للولاد ظروف عيش كريمة و يتم تأمين الأمان ليهم ..قالولي هانا جايين تعدّات نص ساعة و آنا انمخطل في المرا بعثت ماكلة للولاد وتحجّجت اللي لازم ياكلو قدّامي ..وما جا حتى حد ولّيت عاودت كلّمت قالو هانا جايين وتعدّى الوقت وكبشت المرا باش تمشي .وهاكه الّي صار بلاش عصا بيضة الوليد الكبير شد أمو الّي تتطّايح من السكرة و قدّم بيها القدّام و آنا ما قدرت باش نعمل حتى شي .. ضاهرلي هاكه الزوز ولاد مكتوب عليهم باش يذوقو المر في بلاد الفرح الدّائم خالتي قتلي الّي سمعت الّي هاك المرا عطاوها دار 2626 في العقبة يحب ايقول الي هي كانت بعيدة ياسر على الدار الي الوليدات كانوا يلزم يكونوا فيها متخبّين من الشتا و الخوف وغيرو و خالتي قتلي الّي المرا عادة ما تبات في الشط وهاك الولاد معاها بالطبيعة مادام شفت بعيني عينة مل الخطر الّي يعيشو فيه الصغار كل شي متوقّع من مرا تشرب الشراب والدور في البلاد بلاش عصا بيضة معملة على عقل وليّد صغير عمرو ما يفوتش الأربعة سنين .آنا عمري ما حبّيت ننقد العباد والاّ الهيئات على خاطر عمري ما نحب نحكي على حاجه ما عانديش خلطة و لا علاقة بيهم ..لكن على خاطر هاك الزويّز ولاد الّي ما توفرتلهمش الحماية وقت كان لازم تتعطالهم حبّيت نحكي عليهم..التنظير في النصوص القانونية حاجة هايلة الّى يقرا مجلة حماية الطفل يعرف هذا ..أما الواقع ..راهم طفّاوني و آنا حاولت كمواطنة صالحة حاولت باش نحمي ها البلاد في هاك الزّوز صغيرات أمّا يا حسرتي عليهما ..نقوللكم الحق راني تبّعت خطواتهم يمشيو في الكياس تحت الشتا هازين هاك الأم السكرانة سروالها طايح والصغير لابس شلاكة عبد كبير نومرو 44 ما نعرفش كيفاش قعددت في ساقيه .. الله يتولاّهم برحمتو فهو وليّ ذلك و القادر عليه .     

Friday, October 9, 2009

نوبل .. للبلاهة ؟ اي نعم

امنحو جائزة نوبل لي أيضا على سبيل التغيير ..لما لا فقد تقنعوا الشعوب أن لكم مصداقيّة  .. فتمنحونها لامرأة عربية أو هي بربرية أو عفوا تونسية   أو اذا أردتم لشبه غبيّة .. لا تفهم سوى نظريات المؤامرة الجدّية ..و التي لا تكاد تخفى عمّن كان في المهد صبيّا ..حضر الرجل منذ بعض الأشهر و حاول التّنفيس من آثار سابقه الكارثيّة ..كلنا نعلم الأخبار ولم نشهد بالتاريخ أشدّ منهم دمويّة.. حتّى أنّه في القانون الدّولي تتحمل الدولة أيّا كان أشخاص حكّامها المسؤوليّة .. سحب جنوده من العراق فرارا  لحاجته لهم بأفغانستان النديّة .. لا انتصارا لمليوني شهيد ولا اذعانا لنسائم حرّية .. امنحوني جائزة وقولو عنّي ما تشاؤون سرّا أو علانيّة  .. تدّعون صلفا مبادىء و انسانيّة .. و تلك حروبكم و دماء الناس من كل عرق أريقت بلا ذنب أو دنيّة .. سياستكم البيضاء نعمّا هي .. أثخنت في الناس و أشهدتهم أتعس فصول الدهر دراماتيكية .. منحوه الجائزة يبتدعون سنريوهاتهم الأشدّ بلاهة و هوليوديّة .. أنظروا سأعطيكم سببا لتعطوني جائزتكم البهيميّة .. يحصل أن أبكي لمشهد مؤثّر في صور متحركة أو بأفلام سنمائية .. أنا بقلبي كثير من الجهد في مواكبة آلام الناس و أقلها انسانيّة ..لم أغيّر المحطة أتتبّع أخبار الحروب التي تشنّنونها على الدّنيا تحيّزا لجحافل الراحلين و الثكالى والأيتام و المعوّقين و أسود لحظاتكم ديموقراطيّة . جائزتكم التي أسميتموها تبرّكا بعرّاب أشدّ أسلحتكم دمارا و شموليّة.. لا أريدها فقط استعرت سخفكم لأبين  لذاتي كم أن الدّنيا تشقى بمثل هذه البشريّة .. ولأستيقن أن ليس لكم علينا سوى في الغباء والدمويّة و اللاانسانيّة ... علويّة .. فتبا لمثل جوائزكم تكريما لمبادىء اصطلح على كونها كونيّة ..   

آآآآآآآخ خ خ..يا ويلي

اني أعترف بذنبي و تقصيري فقد انشغلت عنك بعد أن تحفظت عليك خوفا عليك كثيرا و انزعاجا منك قليلا فقد كنت تحدث الفوضى حيث سرت ..تطأ حيث تشاء ما تشاء و أنا النكدة من تعهد المنزل بالصيانة تدبرت سجنك حيث قضيت.. منكر فعلي و ان لم تكن ملكي حتى أعتني بك و أنتبه اليك ..فبعد أن اقتلعتك من براثن كلبة أخي القبيحة و اسراعي لانقاذك نسيت أن أذكرك سوى للحظة الادبار الى المنزل بعد يوم شاق في العمل .. لست مجنونة فقد افتعلت المشاكل الكثيرة تنبيها لكونك تلقى الأمرّين منّا و أنّ نهايتك لن تكون سعيدة ..لقد أحصنت اغلاق الباب لألاّ تخرج فتطالك أنيابها .. ومن حيث لا أدري قضيت عليك .اليوم علمت من أمي بأنك انتهيت جوعان ..عطشان يا أسفي ليتني تركتك تأكل من خشاش الأرض و لكنيّ نسيت ..علّك تعلم أني اليوم ملئت كمدا عليك و أنّي لقيت جزائي لوعة تعصف بصدري لقلّة انتباهي .. وانّي أذكر لما عدت من السوق و فتحت الباب الخارجي لمنزلنا فأطلقت رجليك للريح ..و كيف طاردك الجميع حتى أمسك أحدهم بك ..وقد رأيتك بعد ذلك من خلف الباب ترقبنى و تندفع للاختباء تمقت وجهي لالوم عليك  ... لست مجنونة  ..أنا لا أحبّ القتل فهو فعل شنيع و اثم كبير و قد أثقل كاهلي بك يا مسكينا ساءت به الظروف فوطىء منزلنا..أنا أستغفرك يا رب لذنبي ..أنّي سجنت الدّيك خوفا عليه من الكلبة و نسيته في غمرة الجهد اليومي فلا أنا تركته يخرج و ينال حظه من النجاة منها ولا أنا أطعمته أو سقيته . انّ ما فعلت ذنب جسيم ..ومع علمي بطاعة الاستتار من الذنوب التي علينا سترت فاني أسوق هذا ليتملّى غيري فلا يرتكب ما فعلت..         

Tuesday, October 6, 2009

الانتصار للأقصى ..الآن

بيت المقدس ليس حجارة فقط انه قبلة أولى لكل المسلمين وهو عنوان هويّة لمن يفهم ..وقف للمسلمين جاءه طواغيت الدنيا وادّعوا فيه حقا مزعوما اسموه هيكلا ..يحفرون من تحته أنفاقا ويتداعون عليه من فوق الأرض كيأجوج وماجوج و نحن كمن أشرب العجل لا ننتفض ولا ننصر المرابطين فيه ..يذودون عليه بأجسادهم..انتصر اليمين المتطرف داخل الكيان المحتلّ و باتوا على مرمى حجر من تدنيس قبلتنا ولا من منتصر ..لا حراك بهذا الوطن المريض من البحر للبحر..وكأنّا صادقنا على أن نقول لنبيّنا كما قال قوم موسى لنبيهم "اذهب أنت وربك فقاتلا انّا هنا قاعدون" ألا يحسن بنا تدبّر من نكون ..فان نحن أيقنّا بأنّا مسلمون عقيدة فلنستيقن حقيقة بديهيّة  : القدس لنا جميعا و ليست للفلسطيين فقط..حتما ان عدم التواجد هناك يخلق صعوبة في التحرّك والفعل ولكن ما يمنع كل المؤسسات الأهلية والشرعية في التحرّك على الصعيدين الاقليمي و الدولي للمطالبة بالطرق المشروعة دوليا في حماية مقدساتنا . ألم يأت شرذمة من الصهاينة وادعوا حقا مزعوما لألف سنة خلت واتّخذوا من حائط البراق مبكا لهم  . و لا معترض وهم يحجّون اليه قريري الأعين .ولمن لا يعلم هنك قرار دولي يضع القدس تحت وصاية دولية الا أن الصهاينة يتحرّكون لتهويد القدس و فرض الأمر الواقع . وأنا أدعو من لا يرضى لنفسه أن يكون كمن كفر من قوم موسى.. أن يكون مهاتميّ النزعة و ينتصر لهويّتنا بالتحرّك الفاعل و القيام بتحرك ثقافي أو قانوني أو ما تسنّى له أن يفعل لنصرة الأقصى .ان حب بيت المقدس ليس انتصارا للحجارة و انّما هو انتصار للهويّة و العقيدة  وهذا لنك للانضمام لجماعة تسعى للتحرك ثقافيا لنصرة المسجد الأقصى لمن يريد ذلك .عفى الله عنّا بفضله وغفر لنا .


 http://www.facebook.com/group.php?gid=163793180768#group.php?gid=163793180768

رحمة الله

يوجد في الدّنيا نحو ستة مليارات انسي .. أو هذا آخر تعداد بلغ لعلمي.. في هؤلاء لا يوجد سوى مليار ونصف مسلم والبقية موزعون بين مسيحيين و يهود ووثنيين والقليلون من الملاحدة ..في كل هؤلاء يوجد المتجنون على الله الذي أنزل من السماء ماءا بمقدار فهو يرزق من أشرك به فجعل له ولدا والعياذ بالله ولكنه سبحانه قيّض من رحمته رزقا حتى لهؤلاء ..ولكن مع ثبوت آيات كرمه وجدت أن هناك من له من السفاهة ليتسائل عن رحمة الله كقوم موسى الذين قالوا من قبلهم ان الله فقير .. وتسائلت السفيهة عن سبب مرض الأطفال وعذابهم و الكوارث الطبيعية وغيرها - و كأن الحياة الدنيا جعلت لتكون جنة - لتدحض بظنها صفة الرحمة عن الله عزّوجل ..والكثير مما لا تفهم هو دليل عليه سبحانه تعالى فالحياة الدنيا ما جعلها الله لتعمّر و انما لتعبر وفي ذلك مناط التكليف و الجزاء فلو نظر الانسان مما خلق أدرك عظمة الله ولو نظر لعجائب خلقه و تنوع الكائنات و كل ذلك لذهل من رحمة  الله الذي يملي للمشركين ..بل ويتعجل أحدهم آيات الساعة الكبرى ويتسائل عن الحجر الذي سيخاطب المسلم.. وسبحان الله ما أشبه ما قال بقوم نوح ..الذين سألوه أن يأتيهم بما وعدهم ان كان من الصادقين ..وما وعدهم هو عذاب الله ..وقد جاءهم ..ومن له محبة للتاريخ فلينظرلمنازل الأقوام السابقين اللذين عذّبهم الله فقد تركها الله للاحقين عبرة .. أما عن تعارض بعض صور الدنيا من مرض الطفل و تعذيب للكافر و تقدير للرزق فهنا الجواب يسوقه الامام ابن الجوزي للعقلاء فقط أما الحمقى فليتريّضوا بعضّ أصابعهم كما فعل أسلافهم عندما حلّ بهم عذاب الله ..وهذا قول الامام من كتابه صيد الخاطر بعنوان :"التسليم للحكمة العليا ..يقول : "رأيت كثيرا من المغفلين يظهر عليهم السخط بالأقدار وفيهم من قلّ ايمانه فأخذ يعترض .وفيهم من خرج الى الكفر ورأى أن ما يجري كالعبث وقال ما فائدة الاعدام بعد الايجاد و الابتلاء ممن هو غني عن ايذائنا .فقلت لبعض من كان يرمز الى هذا .ان حضر عقلك و قلبك حدثتك .وان كنت تتحدث من غير نظر و انصاف فالحديث معك ضائع ويحك أحضر عقلك واسمع ما أقول :
أليس قد ثبت أن الحق سبحانه مالك وللمالك الحق أن يتصرف كيف يشاء ؟أليس ثبت أنه حكيم والحكيم لا يعبث ؟
وأنا أعلم أن في نفسك من هذه الكلمة شيئا وقد سمعنا عن جاليانوس أنه قال ما أدري ان كان حكيما هو ام لا و سبب قوله هذا أنه رأى نقضا بعد احكام فقاس الحال على أحوال الخلق وهو أن من بنى ثم نقض لا لمعنى فليس بحكيم .
ولو كان جاليانوس حاضرا لكان جوابه :فبماذا بان لك أن النقض ليس بحكمة ؟ أليس بعقلك الذي وهبه الصانع لك ؟ وكيف يهب لك الذهن الكامل و يفوته الكمال ؟ و هذه محنة ابليس فانه أخذ يعيب الحكمة بعقله فلو تفكر أن واهب العقل أعلى من العقل وأن حكمته أوفى من كل حكيم لأنه بحكمته التامة أنشأ العقول .وهذا اذا تأمله المنصف زال عنه الشك ...فلم يبقى الاّ أن نضيف العجز عن فهم ما يجري الى أنفسنا ونقول هذا فعل عالم حكيم ولكن ما يبين لنا معناه و ليس هذا بعجب فقد خفي على موسى وجه الحكمة في نقض السفينة الصحيحة و قتل الغلام الجميل فلما بين له الخضر وجه الحكمة أذعن .
فليكن المرء مع الخالق كموسى مع الخضر . ألسنا نرى المائدة المستحسنة بما عليها من فنون الطعام النظيف الظريف فنقطع و نمضغ و يصير الطعام الى ما نعلم و لسنا نملك ترك الفعل لعلمنا بالمصلحة الباطنة .
فما المانع أن يكون فعل الحق سبحانه له باطن لا نعلمه .
ومن أجهل الجهال :العبد المملوك اذا طلب أن يطلع على سر مولاه فان فرضه التسليم لا الاعتراض ولو لم يكن في الابتلاء بما تنكره الطباع الا أن يقصد اذعان العقل و تسليمه لكفى .فأما الشاك و الكافر فيحق لهما الدخول الى النار واللبث فيها لأنهما رأيا الأدلة ونازعا الحكيم واعترضا عليه فبقيت نفوسهما على ما كانت عليه .فلما لم تنتفع بالدليل في الدنيا لم تنتفع بالموت و الاعادة وأما الجاحدون المبهمون المتألّون على الله "
.فأسوق لهم قول الامام هذا :
غير أن الحق سبحانه و تعالى وهب لأقوام من العقل ما يثبّت عليهم الحجة و أعمى قلوبهم كما شاء عن المحجة" "