Friday, January 11, 2013

إحتفوا بأمهاتكم





ماذا لو عدت مساءا لتجد أمك بيدين مائلتين لجنبيها تنتظر أن تحرك جثمانها  نحو القبلة .. وتغطّيه كلّه . سأعيد صياغة السؤال بلطف ماذا تفعل لو رجعت منزلك لتجد الحياة غادرته بدون رجعة .. عافاكم الله من شر اليتم سنين مديدة .. سؤالي له مغزى أن تحصوا قبل الزوال نعم ربنا التي لا تحصى .. فأنا حين رجعت نظرت لوجهها الساكن ولعرق حافز بجبهتها .. وعلمت أن كأس المر ليس بلهيّن رغم التوكل على الله ، ولو كنا في كنف العيش في كبد .. هناك دائما نعم نعطى بغنى من رب العالمين دون أن ندرك مهما ثمّنّا عظم ما نعطى .. 
إن لم تكن مثلي ترجع إلى بيتك فتجد حبيبتك بيدين دافئتين وعينان تقرئانك المحبّة فرجاءا إقترب من تلك الطيّبة وعانقها مطوّلا فوالله إن الله لم يتفضل علينا بعد الإيمان بكنز أكثر منها روعة .. 
حين عدت وكانت جثة هامدة إشتهيت أن تعود سيرتها الأولى وقضي أمري مع صمت يترقّبني لم يعد بإمكاني أن أستعير من درس القراءة المشوّقة قول الكاتب " هاتي ما به أبقي حياتي " كنت أسألها الطعام بتلك الطريقة ثم أنتقد الدنيا و لا أملأ عيني بها في عجلة من أمري إلا في بعض الصباح قبل أن أغادر البيت للعمل فلا تفعلوا مثلي فحين ينادم أحدنا كأس المر يندم على ضياع الفرصة في تقدير الحلاوة ..
إذا كان كلامكم مع حبيباتكم مباشرا أكثر ممّا ينبغي فلا تفعلوا أعتقد أنه من الأفضل أن تضعوا كلمة أمي في خطابكم معهن حتى بدون مناسبة .. فليس مخاطبة القبر بأمر هيّن بل هو مبعث حيرة .. أقول له " أمّي و إمّيمتي و يا " وذلك محيّر جدّا .. لمّا صرت أغادر الجبانة بدت لي كل الأمهات ، أمهاتكم .. يفضن جمالا .. لم أرقب حلاوة أمي واليوم أشتهي الجلوس إليها داخل مساحة الصمت لأثني على الله كل الشكر على تفضله عليّ بها ،  في حضورها .. الآن أفعل إن أردتم أن تعلموا .. أقول " الحمد لله والشكر لله أنها كانت أمّي " فأنا أجد طعم حلاوتها بعد رحيلها وليس بقدر أي واحد منكم يعود مساءا فيجد أمّه الحبيبة 
حين عدت وكانت قد لاقت ربّها ، لا أنكر أن رأسي كانت محشوّة بفراغ جارف .. تعلّمت يومها أنّها ليست حدثا مسلّما به يلقاني متى أردت .. 
فكلما عدتم ووجدتموهنّ داخل الحياة إعزلوا مسلّماتكم واحتفوا بأحايينكم معهن .. عناق طيّب ، ثناء على أنّهن نعمتكم الخاصة  أوغلوا في حبّهن واحمدوا الله على اللطف وتمتعوا بدفء الحياة معهن ... 
قبر أمّي شجرتي الوارفة ليس الجلوس إليه بالمتعب .. ولكني أفضل أمي ألف مرّة .. عتابها أيها الأحبة هيأتها المحبّبة .. لطفها  .. ضحكتها المكتومة بالخجل .. خجلها الطفولي لمن كان في الثامنة حين أبلت جيّدا بالرحيل ذات ربيع إكتسحه الخجل من نزول ركبها الأخير عنده .. لا أزال أعتقد أن الحياة تستمرّ معي بحبّها ..
أحبّك أمّي .. آسف لأني لم أشعرك بذلك بالقدر الذي يليق بك .. أنتظر أن يتمّ نعمته عليّ ويجمعنا قريبا بجميل لطفه .  

No comments:

Post a Comment