Sunday, September 9, 2012

الموت ليس أبدا واحدا مادام هناك تجارة للموت




ذكرتني حادثة غرق المسافرين خلسة للموت الأخيرة بخرافة كان قصها علي جدي رحمه الله وأذكر أهم جملة كان قد رددها تكرارا حتى ظننتها حكمة ولم تكن سوى عنوان المأساة " يا شاري الهم بالدقيق " وتحكي قصة أميرة دفعا فضولها من الإشهار الغريب " يا شاري الهم بالدقيق " لأن تدفع له الدقيق وتشتري منه في المقابل شيئا تبين لها بعد ذلك أنها دودة فرمت بها ونسيت أمرها ثم هي بعد ذلك تزوجت ملكا وكانت كلما وضعت مولودا إلا وخرجت لها الدودة من المجهول فتأخذه منها فضاق صدر الملك بها وأيقن بوحشيتها فقتلها .. هذه الخرافة الملهاة كانت بالنسبة لي مصدرا جيدا لتجنب الفضول المقيت وكارثية عدم تدبر العواقب تذكرت وأنا أرى خفر السواحل الإيطاليين وهم يخرجون جثمان شاب  تونسي أننا لسنا أقل حمقا مما قد تردده الخرافة أو ينسجه خيال معتوه ..
كل حادثة بما فيه هذا الموت الرخيص يذكرني بأننا شعب بخس أهلكنا العلمانيون بمكرهم فصاروا إقطاعيي الدولة وصحّروا حياتنا من العقيدة  فأخذوا راحة بالنا والرضا فلم يعد بإمكاننا حتى بأن نتفهم أن المجهول سيء .. وكلما ازدادوا وحشية واستثمروا في قوتنا إلا ازددنا غباءا في 
ركوب الموت ..






 حدثني أحدهم أيام حكومة السبسي على العصابات المسلحة التي كانت تقوم بتغطية ترحيل الشباب وقيامهم باستعراض مسلح أمام المحكمة الإبتدائية بمدنين لإجبار أحد حكام التحقيق بإخلاء سراح أحد أفراد العصابة بعد أن هددوه بحياة أبنائه .. أكثر من 20 ألف رحّلوا عن البلاد يوم كانوا يبيتون قانونا إنتخابيا سيصلهم بالسلطة بسهولة فقاموا بتنفيس الشارع من شبابه وفقد المائات وغرق المائات كنت كتبت حينها على ما أعتبره إلى الآن إنتقاما ممنهجا من الشعب ، ولم يؤثر الرحيل للمأساة في أحد . بعضهم قتل في حادثة الإحتجاج على ظروف الإعتقال في جزيرة لمبدوزا،  وبعضهم قتله حريق في إحدى العمارات المهجورة بفرنسا . وجميعهم تمارس عليهم فرنسا وإيطاليا كل الظغوط الممكنة بما فيها  منع  الجمعيات من تقديم المساعدة لهم لإجبارهم على الرحيل  . وقد حدثني قريب أنه رأى تونسيا على مائدة إفطار خيرية وهو يتقيأ ما كان قد أكله بنهم لأن أياما من الجوع التام أفضت لإنكار معدته للطعام .. 
منذ عشريتين والتونسي " يشري في الهم بالدقيق " ويمكن أن تراجع في ذلك إحصائيات وزارة العدل لقضايا جرائم الإبحار خلسة .. الكثيرون ممن ينجون من البحر تقتلهم أهوال الغربة ويقبلون بذلك لأنهم يأبون العودة بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها . سمعت أحدهم ممن رحّل عن البلاد مؤخّرا وهو يعمل بحقل بلامبدوزا وقد أدار ظهره لكاميرا وثائقي الجزيرة أنه ورغم هول ما يعيشه فلن يعود للبلاد لأنه على الأقل في الغربة لن يعاني من جحيم الشامتين .. 
هي بركة البورقيبية التي جعلت من مطمور روما مغارة علي بابا فاحتفظ الدساترة بآلاف الهكتارات من أخصب الأراضي فقط لمتعتهم الشخصية واستولى أعضاء حزبه المقبور على جل الوضائف العمومية فلا يصلها إلا قلة من أبناء الشعب ثم إكتنزوا الأموال المختلسة واستثمروا في كل شيء واستغلوا جهد العملة وجوعوا الناس إسألوا عمال الحضائر وعاملات معامل الخياطة و اسألوا أغلب أثرياء بلادنا من أين لكم هذا .. من ولد منهم بعقود ملكية فليلطم وجوهنا بها تبا لثورة لم تأمم رزق البيليك وتبا لشذاذ الآفاق حينما يستثمرون في موت ضحاياهم .. 
أكتب عن فاجعة تونس الأخيرة لأنني أعتقد أننا في أزمة أخلاقية خانقة وأن تونس تكاد تتقيأنا جميعا وأن كل مآسينا للعشرية القادمة لن تكون إلا نتاجا  لسياسات مافيا المال والسياسة للعهدين البائدين طبعا إن صح إعتبارهما كذلك ( ثنين موش واحد ) و أنه من العاجل التفكير في إحداث خلية أزمة لمتابعة ملف المفقودين وضبط عصابات التهريب المنظم والمتاجرين في حياة الناس ..
إن هذه الحكومة إن لم تفكر في وضع أراضي الدولة الفلاحية المصادرة على ذمة الكادحين لتفتح  لهم بابا للأمل وإن لم تحدث خلية للأزمة لإغاثة المحرومين على خلفية مأساة بلادنا الأخيرة وإن لم تضع حلولا إجتماعية عاجلة لمن تم تفقيرهم لخمسة عقود فإنها تكون حلقة للتواطىء على العباد وإن كان ما ظل في مدة حكمها إلا يوم واحد .. 
أثبتوا أنكم في خدمة العباد وأرونا وجها آخر للتعاطي مع الفرد  من طرف الدولة لقد إكتفينا من تدجين العباد لينتحروا حرقا على اليابسة وغرقا داخل بحر غريب . نشتهي أن يتمسك التونسي بالحياة مع خبز وماء ، لأن له عقيدة تنهاه على أن يلقي بنفسه للتهلكة ودولة لا 
تسلبه الكرامة تدفع بها للصوص علي بابا إحموا الناس من جلادي اليوم والبارحة أو فلينتقم الله 
للبؤساء منكم جميعا 

No comments:

Post a Comment