هذه البلاد لا يزال بعض أهلها قادرون على مفاجأتي .. رغم كل ما قرأت من مصائب القوم وعشت بعضها لا يزال تذهلني الوحشية في آداء بعض الناس ولأني أراجع إنسانيتي لتفهم ردود البعض فقد إستشكل علي حداد أهل المعارضة في تونس على وفاة شكري بالعيد وقبلهم أهل بيته .. ينتقل الرجل بعد قتله كيفما نبهنا لذلك الصحفي العملاق سفيان بن حميدة .. في دولة المؤسسات والقانون يؤخذ بالقتيل إلى التشريح الطبي مباشرة ويفتح بحث تحقيقي و تصدر بشأنه إنابات عدلية لمباشرة الأبحاث .. وفي هذا الإغتيال أخذ بالقتيل إلى وزارة الداخلية لتوجيه التهمة إلى القاتل المعلوم لأهل الميت وخرج معهم لصوص ومخربون .. حين ماتت أمي وهن عظمي ولم أكن قادرا على الوقوف .. ولم أكن قادرا على التفكير بل كنت منذ وقفت على جثمانها الطاهر عاجزا برأس محشو بالفراغ .. ثم أنا كنت أراقبها أتمنى البقاء وحيدا مع أشقائي معها لأكشف عن وجهها لم تكن تحب تغطية وجهها عند النوم وكان علي أن أتقبل تدخل الغرباء .. لذلك صعقت لذلك المشهد و أكثر حين علمت أن الدفن تقرر لليوم الثالث من الوفاة وأشد من ذلك إصرار أهل القتيل على توجيه الإتهام لجهة بعينها دون أي خشية عن تضييع حقه في أن يعرف قاتله الحقيقي بالتشويش على أعمال البحث بل حتى بالمطالبة بترك سبيل شاهد العيان الذي كان جليسه بالسيارة لحظة الإغتيال والإصرار على براءته وقد يكون ولكن أعمال البحث وحصر الشبهة تقتضي التحفظ على السائق لكي لا تضيع الحقيقة بأن يتم توجيه شهادته .. والإشتباه في السائق مبرر حتما إذ أعفته يد القاتل من إغتيال سهل .. الغرابة تكمن أيضا في التهجم على فحوى شهادة الصحفية التي عاينت القتل من مريدي القتيل وكأنهم حضروا تصفيته ويعرفون حيثيات إغتياله معاينة ومعرفة بهوية القاتل لذلك يصرون على تكذيبها وهو أمر يحقق أمرا قطعيا أن من يكذب تصريحات أي شهادة مستثمرون لحادثة الإغتيال إن لم يكونوا أساسا مستفيدين من التعمية على الحقيقة .
اللافت ما حصل يوم الدفن من إصرار على قتل الخشوع وهتك حق الميت في أن يهيء إلى فتنة القبر وسؤال الملكين صراخ وتصفيق وشعارات سياسية على شفى قبره وتغييب تام لحقه في السكينة .. راقبت كل ذلك ولم أرى قلبا مكلوما واحدا إهتم بالميت وحتى أهله ومريديه سلموا بإضمار في واجبهم في تقديم الضمانات لضعيف مثله في حقه في السكينة .. وهو عمل وحشي ليكن لمرتكبيه مسؤولية أن يقف غريما لهم يوم القيامة وإن لم يكونوا مؤمنين بذلك ..
في هذه الدولة الفاسدة نتيجة فساد الحكم الستيني أقر بتعثر مؤسسات الدولة لكن من الغباء التسليم بأنها مخترقة ممن يديرون نظام الحكم الحالي لسبب واضح أن رؤساء الإدارات بما فيها الأمنية حافظوا على مواقعهم التي وصلوا إليها في ظل النظام البائد وغالبيتهم وصلوا لما هم عليه بحكم التدرج الوظيفي والكثير من الأمنيين على درجة عالية من الكفاءة ومن البديهي أن الإغتيال السياسي هو جريمة مركبة تختلف عن جريمة القتل العادي ولكن هل يبرر التعقيد دعوة أرملة الهالك إلى لجنة تحقيق دولية .. لم أفكر حين سمعتها في حقيقة قفزها على أمر بديهي كالحداد على مفارقها بأن تعيش حزن الفراق على الراحل ولو ليوم .. فقد سلمت بتسويق الإعلام بأنها المرأة الحديدية ولكن فاجأني أن تنزّلنا حضرتها منزلة لبنان الذي يشهد إختراقا طائفيا حادا لمؤسسات الدولة فيها والذي أفضى بأهل السنة عندهم إلى دعم إختراق بلدهم بالإستقواء بالأجنبي وتكبييد ميزانية دولتهم نفقات المحاكمة الدولية التي لم تسفر إلى اليوم عن الكشف عن هوية قاتلي الحريري وثبت عدم حياديتها باستبعاد قرائن قوية تثبت تورط الكيان الصهيوني بإضمار .. المضحك المبكي أن اليساريون في العادة لا يأمنون النظام الدولي القائم على الإستقطاب الرأسمالي وله إنتقائية متأدلجة تأثيرها في الهيئات القضائية الدولية معلومة ولكن الإستثنائي تونسي بامتياز تماما كتغييب الخشوع في حضرة الموت ..
أيها اليساريون هل عليكم أن تهينوا الإنسانية في تصدركم للعنف الثوري حتى في ردود أفعالكم على الموت .
في الختام من إستدعى سيناريو إرهاب المخلوع لإجباره على الرحيل من تونس عبر تشحين الجماهير بجرائم قنص مفضوحة والإسهام في الإخلال بالأمن العام بتحركات جماعية لعصابات تخريبية للإطاحة بالنظام القائم فهم واهمون لأن المخطط لن يجد دعما من وزارة الداخلية فليس على رأسها الحاج قاسم ليصدر أوامره لكافة الأمنيين بملازمة منازلهم لأن الداخلية قد وضعت تحت إشراف عسكري وكأنّ قانون الطوارىء يتجافى ومبدأ إستمرارية المرفق العمومي للأمن . فالأمنيون اليوم بوصفهم موظفين للدولة يحافظون على مواقعهم لأنه لا يوجد متواطئون داخل مخطط شامل للإنقلاب على رأس الحكم كما حصل في 14 جانفي 2011 وأبشر أفراد العصابات بالقبض على أغلبهم فقد مضى عهد خبث التجمع الدستوري المفتوح على إستعمار مؤسسات الدولة بدون منازع .
No comments:
Post a Comment