Tuesday, March 13, 2012

الحقيقة كاملة ببعض تصرف أدبا مع الشهداء




لم يرف له جفن وهو يمضي الحكم بالسجن ولم يكن له لسان حال .. كان الفتى أحد التفاصيل التي لن تعلق بثنايا تردده وليس لتلك الدموع التي غادرت محاجر عيني أمه أية أهمية .. لم يرى تلك الرجفة بيد الفتى ولا بشفته ولم يبد أنه لاحظ يأس العيون من عدالته .. غادر مكتبه متأخرا توقف ليمازح زميلا له ببهو المحكمة كانت أخبار فوز فريقه المفضل تأخذ معه أسبوعا من النقاش والتحليل وإظهار الفرح ثم دخل لمكتب الرئيس ليعلمه بمنطوق الحكم ..
كان بالكاد قادرا على فتح جفنيه ورأسه خادرا يفكر غريزيا بالعطش .. نودي عليه فتقدم حيث أشار الحاجب .. أعلمه القاضي بالتهم المنسوبة إليه وكان بالكاد يفهم ، سأله إن كان متمسكا باعترافه المسجل عليه وبالكاد سجل عليه إنكاره و أذن لمحاميه للمرافعة ..  إلتفت عله يرى أمه فنهره القاضي  : وين تستخايل روحك ?! .. إنتبه إلى أن لوعة قلبه لدموع أمه زادت عناءه من جفاف حلقه .. كان سينخرط في البكاء لبكاء أمه .. جذبته يد السجان وتم أخذه نحو غرفة التوقيف لم يتمكن من رؤية أمه وسمع عويلها وصوت القاضي وهو يطالبها بالهدوء منذ أشهر لم تره فأنى لروحها أن تهدأ .. 
كان رأسها خدرا .. خرجت بعد أن أخذ حبيبها من قاعة الجلسة كانت عيناها مجهدتان من الألم أسرعت إلى باب الخروج حيث كانت شاحنة السجن في انتظار المساجين ... بلغها الصوت 
" إبعد يامرا .. إبعد يا مرا " ترجت الصوت أن تعطي إبنها أكلا .. قال الشرطي : "ممنوع هزلو للحبس " . " يا ولدي سبعة شهر مانعين علي الزيارة " جفل لحظة ثم قال " ما تخافش راهو يوكلوه " وضعت يدا مرتجفة على خدها الزلق بالدموع وسمعت نداء حبيبها " يا ! يامي  ! " 
ولولت .. يا كبدي وغاب صوته داخل الشاحنة .. " وخر يا مرا وخر " كان السوط قاسيا فخرت مغشيا عليها مستسلمة لعذاب الشهور الثمانية .
جلس في ردهة المحكمة ينتظر التصريح بالحكم المنتظرة  قسوته ، كره مهنته في هذا البلد المهلك لشبابه كان خلال المرافعة  قد رأى في عين الرئيس ذلك التحفظ البارد وفهم . بذلك القانون الإرهابي المقاوم للحرية كان الفتى في مرمى جورين قانون لمقاومة الإرهاب وذلك القاضي المنسجم جدا مع النظام .. كان يشعر بالألم و بحرارة بعينيه .. كان الخدر برأسه .. لا يكاد يعتاد قسوة انتظار التصريح بالحكم .. سمعة الدائرة لا تنذر بخير .. قرر الخروج لشرب الماء كان الإنتظار يكاد يخنق أنفاسه .
عفونة السجن ووحدته كان يبكي بحرقة إغماء والدته بالشارع .. أي شيطان جعله يستطلع ذلك الموقع  لمجاهدي العراق وانخرط في البكاء .. " أمي .. أمي ، كان يحس بأنه في عمر الخامسة واشتاق إليها" 
تقدم من الكاتب .. نظر  إليه من خلف زجاج النافذة .. فتح ملف القضية وقرأ " وسجن المتهم (  ) مدة ثمانية أعوام من أجل ..كسجن المتهم زيادة على ذلك مدة أربعة أعوام من أجل ...
مسح عرقا باردا وبلع ألمه وخرج لوالدة الفتى بكلام جامد عن إستئناف الحكم !
ماتت كمدا بعد شهر من سماعها بالحكم ، كانت الملائكة تتحلق حول جسدها تزف نبأ إستشهادها للسماء .. لحقها زوجها الفحل كان تونسيا بقلب أم رؤوم وبالجبانة إجتمعا بدون أي زيادة دراماتيكية عن الواقع ..
ضاع الفتى داخل الحبس وماتت روحه ..أماتها القانون الإرهابي وطموح القاضي للترقية ثم مات الفتى .. الآخر شوقا لأمه . ( الإهداء إلى روح كل شهيد قضى تحت نير قانون الإرهاب الذي لا يزال وصمة عار على جبين تونس الثورة )

4 comments:

  1. قداش شباب تظلم من ورا هالقانون .. ألف مأساة تُروى لكم من عائلة ضاعت تحت جوره...الله يرحم الي مات و الله يبرد لوعة الحيّين ..

    شكرا غيغوز للتذكير..ففي غمرة الفوضى ننساهم او نتناساهم حتى لا نتذكر عجزنا

    (اسلوب ك في التعبير مؤثر ..بارك الله فيكِ)

    ReplyDelete
  2. شيماغ .. ما أوردته قصة حقيقية في أدق التفاصيل وهي لجار لنا رحم الله والديه أحيانا أتسائل لماذا تتجاهل الحكومة تعجيل طلب إلغاء وتنقيح القوانين الجائرة سواء منها المتعلقة بالحريات أو الإقتصاد أو كل جوانب الحياة هناك قوانين مذهلة في ردائتها وفي جورها أعرف أنه يجب إنتظار مجلس النواب ولكن هناك قوانين لا يجب الإنتظار لحظة لإنهاء العمل بها

    ReplyDelete
  3. السلام عليكم

    حسب رأيي، نسق السّرد سريع جدّا و لا يتناسب مع الأحداث و الموصوفات
    لكن أصدقك القول، سرعتك في السّرد تجعل أسلوبك في الكتابة فذّا خاصّة و أنّك تحسنين اختيار مفرداتك

    فيما عدا ذلك رحمهم الله و إيّانا
    و بارك الله فيك على التّذكير

    ReplyDelete
  4. هي قصة حقيقية حتى لا يضيق صدر القارىء بتفاصيل كثيرة ولمن إعتاد القراءة أون دياغونال فقد إختصرت الحديث على اللحظات الأكثر أهمية دمت وفية بالنصح ،فلة . أتمنى أن نجد طريقا للتأثير

    ReplyDelete