و لكني كدت أنسى ...
الأعوان في كل مكان يروعّون حزن اللّيل ويرهبون نوم الشارع وحوت القرش فوق العرش يأمر و ينهى و يقذف بحممه شعارا لا يكلّ
تسلّلت اليه عشيّا فمثلت بين يديه .
قلت و قد ضاع نظري في وهاده و أعاليه :
- من قتل القتيل ؟
ضحك الحوت فبدا لي رجلا قد شاخ و هرم و خانه العقل :
-ماذا تقول ؟
-؟ من قتل القتيل
-وهل تقتل الرجال غير الآجال ؟
-و الطيور ؟
-قدر كئيب لا غير
وضحك الحوت وهو يدعوني للجلوس
قلت :
-يا سيّدي ,خير طاعة الملوك أن يجلس المرأ قبالتهم فلا تخفى عليه من وجوههم خافية
قال و قد أضحكه ظرفي :
-فما ترى بوجهي فدتك نفسي ؟
فوجم من بالمجلس و أغمي على بعض الأعوان .
قلت حذرا :
- أتكلّم و يظلّ رأسي بين كتفيّ ؟
قال الحوت :
- تكلّم و أنت آمن
قلت :
-انّ بوجهك بثورا و خدوشا كآثار الجدري
فاظطرب الحوت و ارتبك من حوله .
قلت :
-: أتدري ما سببها ؟
قال بصوت كالنعيب :
-عجّل بها ثكلتك أمّك
قلت :
هي مما يسبق ضياع الكلمة و تفكّك الهيبة
فتوجّست الطّيور و كانت كثرة بمجلسه واستأذن بعضها على عجل .
أظفت :-انّي حلمت ...
فقاطعني الحوت
-بماذا تنصح يا فتى ؟
قلت
- استرجاع ما ضاع بحدّ السّيف
فأطرق و أغرق حتّى أيقنت أنّه نام
لمّا يئست من صحوه و تأكّد لمن في المجلس غطيطه صوّبت نحو الباب فانقضّوا عليّ .
و أفقت واذا الحوت أمامي يرعد ببذيء الوعيد :
- من سمح لك أن تهذي في الطّريق ؟
وكان ذلك آخر عهدي بالمقهى .
من 'النفير و القيامة' قصّةللكاتب التونسي فرج الحوار
No comments:
Post a Comment