مثلت الدعوة لتنظيم استفتاء هادف لضبط صلاحية وسلطات المجلس التأسيسي آخر الانحرافات الخطيرة للثورة. وبقطع النظر عمن يقف وراء هذه الدعوة ومن يدعم حملة الترويج لها حتى لانسقط في الحكم على النوايا -رغم ما في تصريحات دعاة الاستفتاء من مواقف المعلنة تغني عن البحث في النوايا الخفية- فإنه من اللازم التأكيد على أن هذه الدعوة مناقضة لأهداف الثورة باعتبارها ممارسة غير ديمقراطية نظرا لفقدانها للشرعية القانونية (1) من جهة وللمشروعية الفلسفية والسياسية (2) بما يجعلها خطرا على عملية الانتقال الديمقراطي (3) وانجاح الثورة:
أولا: الدعوة للاستفتاء طرح قانوني مغلوط:
1- أجمع فقهاء القانون الدستوري أن السلطة التأسيسية الأصلية سلطة فوقية تنبثق عنها جميع السلط المؤسَّسة باعتبار أنها سلطة تستمد سيادتها مباشرة من الشعب وتنطلق نظريا على الأقل من فراغ مؤسساتي لاعتبار أن كل مؤسسات الدولة انما تستمد وجودها من الدستور الذي يرجع للسلطة التأسيسية وحدها اعداده وتحديد خياراته وتوجهاته العامة. وعليه فلايمكن الحديث عن امكانية تحديد لصلاحيات المجلس التأسيسي باعتبار غياب أي سلطة ما قبلية أو فوقية تضبط صلاحياته من جهة ولأن تحديد الصلاحيات يفقدها كنهها ووصفها بكونها سلطة تأسيسية أصلية ليجعل منها مجرد سلطة تابعة وفي وضع أدنى من السلطة التأسيسية الفرعية حتى.
2- إن الدعوة الى استفتاء على تحديد صلاحيات المجلس لا تستند في واقعنا الراهن إلى أي أساس قانوني. ذلك أن السلطات المخولة في اتخاذ المراسيم للرئيس المؤقت هي سلطات محددة قانونا وهي سلطات واردة على سبيل الحصر وفي مجالات مضبوطة ولا تشمل الدعوة للاستفتاء أصلا ومن باب أولى واحرى الاستفتاء على تقييد صاحب السيادة المطلقة تحديدا. هذا علاوة على كون المرسوم المحدث للجنة العليا المستقلة للانتخابات حدد صلاحياتها في الاشراف على تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ولا يمكن بحال أن يكون من صلاحياتها تنظيم استفتاء مواز. وهو ما يجعل هذه الدعوة عارية عن كل أساس قانوني وفاقدة لاطار تشريعي ينظمها ويسمح بالمضي في تحقيقها.
3- إن تقنية اتخاذ المراسيم من قبل رئيس الدولة شرعي هي وسيلة استثنائية تعهد له بصفة استثنائية (حل مجلس النواب، عطلة نيابية، تفويض من مجلس النواب في ظروف أو ميادين استثنائية) صلاحيات تشريعية تكون مقيدة من حيث زمن اتخاذها والمجالات التي تستهدف تنظيمها. وبناء عليه فإن هذه المراسيم لا تقوم مستقلة بذاتها باعتبار المرسوم يبقى نصا صادرا -بصفة استثنائية- عن سلطة في غير اختصاصها الأصلي.
وعلى هذا الأساس فإن نفاذ المراسيم وشرعيتها يبقى قائما طالما كانت الظروف الاستثنائية قائمة. الا أنه بزوال تلك الظروف الاستثنائية يكون نفاذها معلقا على المصادقة عليها من قبل الجهة صاحبة السلطة الأصلية أي سلطة التشريع والتي لها مطلق السلطة في الغائها أو تنقيحها أو تبنيها على حالتها. فإذا كان هذا النظام القانوني هو المنطبق على المراسيم الصادرة عن رئيس شرعي ومنتخب فكيف يكون حال المراسيم الصادرة عن رئيس فاقد لكل شرعية؟ هل يمكن أن تكون المراسيم الصادرة عنه أرفع قيمة فتكون محصنة عن الالغاء من الجهة صاحبة السلطة الأصلية؟ قطعا لا. وهنا يفرض المنطق القانوني أنه من صلاحيات المجلس التأسيسي النظر في المراسيم المتخذة من قبل الرئيس المؤقت فيكون بامكانه المصادقة عليها أو تنقيحها أو الغاؤها وهو ما يفرغ الدعوة لاتخاذ مرسوم في تحديد صلاحيات المجلس من كل معانيها طالما أنه يبقى للمجلس التأسيسي الغاء هكذا مرسوم واستعادة سلطاته المطلقة والأصلية.
ثانيا - الدعوة للاستفتاء ممارسة غير ديمقراطية
انطلاقا من المبررات المقدمة من قبل دعاة الاستفتاء يمكن ابراز فقدانها للمشروعية ومجافاتها للمنطق السوي على أكثر من صعيد:
1- إن القول بأن الاستفتاء على حصر صلاحيات المجلس التأسيسي في اعداد الدستور وترك مسألة تسيير دواليب الدولة لحكومة مستقلة عنه يجنب البلاد فرضية الفراع السياسي هو قول لا يخلو من مغالطة ويذكرنا بما عانيناه منذ 14 جانفي من عواقب نظرية الفراغ السياسي. ذلك أنه من المعلوم أنه من المنطقي -ودون الحاجة لاتخاذ مرسوم في هذا الصدد- أن مهمة الحكومة الحالية أو غيرها لا يمكن أن تنتهي يوم 23 أكتوبر تحديدا أي بمجرد انتخاب المجلس الوطني التأسيسي. فمن الطبيعي أن تواصل الحكومة عملها الى حين البت في تعيين حكومة من قبل المجلس التأسيسي والتي يمكن أن تكون نظريا من بين أعضاء المجلس ذاته أو من خارجه كما يمكن أن تكون الحكومة الحالية أو أي حكومة أخرى انما الفيصل في ذلك أن القرار هو بدء ونهاية قرار سيادي يرجع للمجلس التأسيسي وحده اتخاذه.
2- إن القول بأن ابطاء المجلس التأسيسي في تعيين حكومة والتجاذبات التي يمكن أن تنجر عنه من شأنه أن يطيل مرحلة الشرعية ويزيد في تعميق حالة عدم الاستقرار قول لا يستقيم باعتبار أن انتخاب المجلس التأسيسي كاف لوحده لارساء شرعية كاملة على كل دواليب الدولة التي سيكون عملها تحت رقابته بما في ذلك الحكومة المؤقتة في الفترة السابقة لتكوين حكومة انتقالية.
3- إن الخوف من تغول المجلس التأسيسي بمسكه لكامل السلطات والصلاحيات والخشية من جنوحه للاستبداد خشية في غير محلها بل هي وسيلة ترهيب للتأثير على قرار الشعب. فلماذا لم يثر دعاة الاستفتاء مسألة الصلاحيات السلطانية للرئيس المؤقت وحكومته رغم فقدانه للشرعية ورغم ما عهد له من صلاحيات تنفيذية و"تشريعية" عريضة؟ ولماذا يخشى من استبداد مجلس تأسيسي سيكون حتما فسيفساء حزبية بمقتضى نظام الاقتراع المعتمد؟
من جهة أخرى قدمت وظيفة المجلس التأسيسي الرئيسية في صياغة الدستور -عن صواب- على أنها أهم وأخطر خطوة على درب الانتقال الديمقراطي فإذا كنا لا نخشى أن يحيد المجلس عن تحقيق أهداف الثورة من خلال صياغته للدستور وإذا ما نحن منحناه الثقة لتسطير نظام البلاد لعقود من الزمن طويلة فكيف نخشى أن يسير دواليب الدولة لأشهر أو لبضع سنين؟؟؟
4- يخشى بعض دعاة الاستفتاء أن تفرز انتخابات المجلس التأسيسي هيمنة حزب معين أو تيار معين على المجلس ويرون أنه من الخطر أن يكون مجلس بهذه الصفة ماسكا في ذات الوقت بسلطة تسيير البلاد اضافة لدوره الرئيسي في صياغة واعداد الدستور. وبصرف النظر عن مدى وجاهة هذا التخوف "تقنيا" بالنظر الى طريقة الاقتراع كما أسلفنا الذكر فإن الخطر الحقيقي في اعتقادي هو التفكير بهذا المنطق لأسباب ثلاثة على الأقل:
* السبب الأول هو أن القول بهذا الفصل بين صلاحية اعداد الدستور الراجعة للمجلس التأسيسي وصلاحية تسيير البلاد المراد اسنادها لحكومة مستقلة يجنب استبداد المجلس وانحرافه عن التأسيس للديمقراطية يفترض ضمنا بأن هذه الحكومة ستكون لها ارادة وسلطات مستقلة عن المجلس وتكون بذلك حدا له وضمانا لعدم جنوحه للاستبداد وهو قول يتنافى مع الضمانات الصورية التي يقدمها أنصار الدعوة للاستفتاء بمقولة أن عمل الحكومة سيكون تحت رقابة المجلس؟ فهل تشمل تلك الرقابة امكانية اقالتها أم أن احداثها والتصديق عليها بالاستفتاء سيجعله عزيزة عن الاقالة والتحوير؟ فإذا كان بامكان المجلس سحب الثقة من الحكومة واقالتها فأي معنى إذا للاستفتاء على بقائها؟ وإن لم يكن بوسعه ذلك وكانت واقعا مفروضا عليه فأي معنى للرقابة المزعومة التي يمارسها المجلس على أعمالها؟ ألا يكون الأمر أشبه بالاعتراف بحق نقابي وتجريد صاحب ذلك الحق من حق الاضراب والتظاهر؟؟؟
* السبب الثاني هو أن هذا المنطق لا يخلو من وصاية على خيارات الشعب ومصادرة مسبقة لقراره في اختيار من يفوضه ممارسة سيادته. وفي هذا استنقاص خطير للشعب يتناقض والهدف الرئيسي للثورة الذي يقوم على احترام قرار الشعب والاعتراف بسيادته المطلقة في تحديد مصيره كيفما يراه.
* السبب الثالث أنه وعلى فرض أن الشعب قد يسيء اختيار ممثليه فهل يسوغ ذلك الحد من صلاحية من يختار. ألا يعد ذلك استنقاصا من قرار الشعب؟ ثم ألا يعلم هؤلاء -وهم من "المنظرين للانتقال الديمقراطي"- أن الممارسة الديمقراطية دربة وتقاليد يستفاد فيها من الأخطاء كما القرارات الوجيهة والصائبة؟ ألم يرو أبناءهم لا يتعلمون السير حتى تدمى ركبهم وتكدم أياديهم ورؤوسهم من أثر السقوط؟
5- الاستفتاء خلافا لما يروج من مواقف وتبريرات وأسانيد هو أسوء أشكال الممارسة الديمقراطية بل هو في نظر عديد خبراء القانون الدستوري والعلوم السياسية لا يدخل أصلا ضمن أساليب الممارسة الديمقراطية بل هو لعبة سياسية يمكن أن تفتح الباب للاستبداد. ولا أدل على ذلك من كونه كان دوما ولايزال سلاح الدكتاتوريات لتأبيد حكمها واضفاء الشرعية التي تفتقد.
ثالثا: الدعوة للاستفتاء تأزيم للوضع العام بالبلاد
1- ليس بخاف أن الدعوة للاستفتاء على تقييد صلاحيات الدستور مردها -في جانب منها على الأقل- خشية بعض الأطراف أن تؤول الانتخابات الى مجلس تأسيسي تهيمن عليه احزاب او تيارات لها - عن صواب أو عن خطأ- توجهات وخيارات معادية للديمقراطية وذات منحى شمولي. وبناء على ذلك يرون أن في تحجيمهم لصلاحيات المجلس وتقييدها تأمين للبلاد من خطر هؤلاء. ولكن خفي على أنصار الاستفتاء أنهم بهذا المنطق انما ينخرطون بدورهم في ممارسة غير ديمقراطية تقوم على الاقصاء وعلى الحكم المسبق على النوايا. كما نسي هؤلاء أن منطقا كهذا وممارسات مماثلة آلت بالأوضاع بالجزائر إلى ما آلت اليه في سنوات الظلام في التسعينات. أفلا نعتبر من تجارب الغير حتى ننال ما نالوا من أزمات ومآس؟؟؟
2- إن الاستفتاء على ارساء حكومة مستقلة عن المجلس التأسيسي لا يمكن تصوره الا تمديدا لعمر الحكومة الحالية لأنه لا يمكن عمليا التوصل في بحر المدة التي تفصلنا عن الانتخابات إلى تشكيل حكومة توافق وطنية طالما أن هناك خلافات جدية حول فكرة الحكومة المستقلة أصلا. ولكن دعاة الاستفتاء ينسون أو يتناسون أن التمديد في فترة الحكومة المؤقتة من 24 جولية الى 23 أكتوبر لم ينل رضا الجميع فكيف بالأمر الى ما بعد انتخابات المجلس التأسيسي؟؟؟ فالحكومة الحالية أحببنا أم كرهنا ودون أن نسقط في السلبية المطلقة والانتقاد المجاني تتحمل قسطا وافرا في تأزم الوضع بالبلاد وحالة الاحتقان التي نعيشها ولعل خياراتها ودورها في تأبيد الأوضاع المتردية لمؤسسات فاعلة في عملية الانتقال الديمقراطي كالقضاء والامن والاعلام خير دليل على محدودية تصوراتها وغياب الأمل في تحقيقها للشروط الدنيا لانتقال سلس وناجع. فكيف يروج هؤلاء للابقاء على هذه الحكومة ما بعد الانتخابات؟؟؟
3- إن طرح مسألة خلافية كالاستفتاء على تقييد صلاحيات المجلس التأسيسي في هذه الفترة بالذات وقبل شهرين فقط من الانتخابات شأن تعكير مناخ الثقة المهتز أصلا. فهو باب يفتح على تجاذبات وخلافات سياسية ومشاحنات عميقة وعقيمة من شأنها مزيد تأزيم الوضع العام بالبلاد وشن حملات اتهامات واتهامات مضادة في وقت نحن في أمس ما نكون فيه إلى تهدئة الأجواء والتأسيس لمناخ من التنافس النزيه والبناء سيرا ببلادنا نحو بر الأمان.
ختاما أرجو أن ننتقل أحزابا وجمعيات واعلاما ورأيا عاما من مرحلة الشخصنة والمشاحنات والحسابات السياسية والمصلحية الضيقة ورفض الآخر إلى مرحلة عرض البرامج ونقدها بكل تجرد وموضوعية ونكران الذات وبناء حوار وطني حق لأن الديمقراطية تبنى على الحوار ومقارعة الأفكار والخيارات لا على الخلافات الشخصية والايديولوجية وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة
يبدو ان الثورتان التونسية والمصرية
ReplyDeleteتشربان من وعاء واحد
فكل ما يصيبكم يصيبنا والعكس
يبدو ان مشكلة تونس ومصر هي في وجود نخب سياسية واعلام وفقهاء الخ الخ
فليبيا الخاوية والتي كنا نتحسر على حال ثورتها
سلكت الطريق الصحيح وربما ستسبقنا الى الاستقرار
وذلك ليس لوجود القادة وانما لغيابهم
تحياتي لك
فكل قادتنا عاهات
ou bien le systeme actuel (gouvernement,partis , instance ) statue sur tout ( rôle de la constituante,salaires,justice,libye...) , ou bien il doit laisser tout pour la constituante ou pour le référendum !! il nya aucune raison de séparer les dossiers : une Tunisie unique , un peuple uni , et un dossier émancipateur unique !!!
ReplyDeleteAprès avoir empoché les subventions gouvernementales et associatives destinées à son observatoire, dont une partie lui échoit sous forme de salaire, un grand activiste déclare: ce gouvernement n'à pas de légitimité donc ne peut pas statuer sur le problème du redressement des salaires et la lutte contre la misère !
N'est ce pas vol et corruption que ce traffic de fonds par un corps illégitime ?
Et le parti politique qui est légalisé par un gouvernent dont il dit aussi qu'il n'est pas assez légitime pour châtier les violateurs des droits humains, n'est-il pas lui aussi illégal? diifiicile de répondre !!
أما عن شرب الثورتين من نفس الوعاء أصدقك القول أن الأمر يبدو لي مذهلا فبالرغم من كل الفروق بين المجتمعين فإن إستبطان الطبقة المتنفذة لذات آليات الثورة المضادة جعلتني أجزم بأن الوضاعة ببلدينا واحدة لكني لا أظن المصيبة في وجود القادة بل إستفحال الفساد في مؤسسات الدولة بتونس ومصر في حين أن القذافي إحتكر وعائلته الفساد وظل الشعب على فطرة سوية وتعلم غياب مؤسسات الدولة بليبيا تماما وهذه بركة لأنهم لن يعانوا مثلنا من مؤسسة أمنية فاسدة متواطئة ولا من مؤسسة عسكرية جاهلة بأبجديات حفظ الأوطان وعلى كل حال لنأمل أن الغد سيأتينا بغير دسائس اليوم دمت بألف خير فالأوطان تظل حتى بعد أن ينسى إسمنا ويدرس رسمنا
ReplyDeletesamilami la réponse est bien facile revenez à la définition de l assemblée constitutionnelle le gouvernement actuel n est ni légitime ni légale tt ce qui émane du président actuel est aussi illégale l a c aura tte la légalité pour la promulgation de la constitution ainsi que la révision de plusieurs lois qui organisent les autorités publiques et bien d autres domaines et c ça qui leur fait peur que l assemblée crée une réforme révolutionnaire ds ces lois car une constitution bien aveugle ne leur fait point peur ! l assemblée aura tte la légitimité pour toucher de ces lois ce qui sera nécessaire le référendum n est que illusionnaire lisez donc le poste il est bien instructif
ReplyDelete