Thursday, April 19, 2012

خلفيات الحركة الإحتجاجية لجمعية القضاة التونسيين بقلم القاضي السيد : فوزي المعلاوي










مؤشرات خطيرة للالتفاف على مطلب استقلال القضاء: أول بوادر الالتفاف على مطلب استقلال السلطة القضائية تتضح معالمه من خلال تسمية اللجان الدستورية بالمجلس التأسيسي ففي حين يحدث النظام الداخلي للمجلس الوطني التأسيسي لجنة تسمى" لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما" يحدث نفس النظام لجنة يسميها "لجنة القضاء العدلي والإداري والمالي والدستوري" وبذلك ينخرط المجلس الوطني التأسيسي في نفس التمشي الذي توخاه المجلس القومي التأسيسي في دستور 1959 وذلك من خلال: -1- تجنب استعمال عبارة السلطة القضائية والاكتفاء بعبارة "القضاء" وكأن الأمر لا يتعلق باحدى السلط الثلاث (لا سلطة ثالثة كما يحلو للبعض تسميتها) -2- ضرب وحدة السلطة القضائية واضعافها من خلال تشتيتها morcellement et cloisonnement وهو ما يتعارض قطعيا مع المعايير الدولية لاستقلال القضاء التي تفرض الوحدة داخل هرم واحد مع تنوع الاختصاص ثاني بوادر الالتفاف على مطلب السلطة القضائية تتضح معالمه من خلال عدم إقرار أي آلية تضمن تشريكا فاعلا للقضاة ومناقشتهم بصفة مباشرة للأحكام الدستورية والتشريعية المنظمة للسلطة القضائية في محاولة لتكرار تجربة دستور 1959 التي قامت على تغييب القضاة وإقرار وصاية السلط السياسية على السطة القضائية. وهذا أخطر الحلول وهو يتعارض: 1) مع المعايير الدولية لاستقلال القضاء التي توجب تشريك القضاة والرجوع إليهم في كل المسائل المتعلقة بصياغة وإعداد مشاريع القوانين المتعلقة بمرفق العدالة فكيف لا بالأحكام الدستورية والتشريعية المنظمة للسلطة القضائية 2) وهو أيضا ما يتعارض مع مقتضيات الفصل 22 من القانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية الذي أقر مبذأ التشاور مع القضاة 3) وهو أيضا ما يتعارض مع الخطاب السياسي الذي صدعت به كافة الأطراف الأطياف السياسية آذاننا من مناداة بالحوار والتشاور مع كافة مكونات المجتمع المدني وكافة الجهات المعنية بالاصلاح 4) وهو ما يتعارض كذلك مع الحلول المعتمدة في سن قوانين بعض القطاعات الأخرى. ففي حين يتم تشريك الصحفيين في صياغة أحكام مرسوم الصحافة وفي الوقت الذي يتم اعداد ومناقشة وإمضاء وإصدار مرسوم المحاماة بواسطة محامين بصفتهم تلك او بصفتهم السياسية لم تقع أي إشارة لتشريك القضاة -رغم أن الأمر يتعلق بسلطة قائمة بذاتها- في صياغة مشاريع القوانين أو الأحكام الدستورية للسلطة القضائية. 5) وهو ما يتعارض مع أبسط قواعد المنطق السليم ففي حين تنظم السلطات السياسية نفسها بنفسها يقع اقصاء ممثلي السلطة القضائية من المشاركة حتى في صياغة الأحكام المنظمة لها ثالث بوادر الالتفاف على مطلب استقلال القضاء: تصريح وزير العدل بأن القضاء مستقل ؟؟؟؟ وهو نفس الطرح الذي كان يقدمه الوزير السابق القروي الشابي ونفس الطرح الذي كان يعتمده النظام السابق أيضا للتصدي لمطالب الاصلاح عبر التذكير بمناسبة او بدونها أن: 1) القضاء نزيه: وهو ما يغني عن فتح ملفات الفساد وإرساء آليات المحاسبة حفاظا على مواقع القضاة الموالين للسلطة وضمانا لفرص ارتهان استقلال القرار القضائي 2) الفضاء مستقل: وهو ما يعفي من ضرورة اجراء تغييرلت هيكلية ودستورية وتشريعية جوهرية تكفل فك ارتباط السلطة القضائية بالسلطة التنفيذية ورفع الوصاية عنها رابع بوادر الالتفاف على مطلب استقلال القضاء: الحديث عن دور جوهري للوزارة في صياغة النصوص المنظمة للسلطة القضائية (قانون الهيئة المؤقتة+ قانون المجلس الأعلى للقضاء+ القانون الأساسي للقضاة) هذا يتعارض بصفة صارخة مع استحقاق استقلال القضاء لعدة اعتبارات: 1- وزارة العدل لا تمثل القضاء ولا القضاة وليس لها من هذا المنطلق أن تتدخل في مسألة التأسيس للسلطة القضائية وإعداد النصوص المنظمة لها وما عزمها على هذا الأمر إلا دليل على الرغبة في تأبيد وصايتها على القضاء 2- كلنا يعلم بأن مطلب استقلال القضاء انما يتحقق بفك ارتباط القضاء بوزارة العدل ووضع حد لكافة أشكال تبعية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية. فكيف يمكن أن تلعب السلطة التنفيذية دورا إيجابيا في تحقيق استقلال "سلطة" خاضعة لوصايتها. سيكون الأمر كما لو أن دولة مستعمرة تصوغ دستور دولة تناضل للاستقلال عنها 3- تدخل وزارة العدل في إعداد وصياغة القوانين المنظمة للسلطة القضائية يتعارض وأحكام الفصل 22 من القانون التأسيسي المنظم للسلط العمومية الذي يسند مهمة اصلاح وتنظيم القضاء للمجلس التأسيسي بعد التشاور مع القضاة 4- الحديث عن قانون أساسي للقضاة وقانون منظم للمجلس الأعلى للقضاء مستقلين من شأنه تشتيت النصوص المنظمة للسلطة القضائية وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى إضعافها ومن الأحرى الحديث عن "قانون السلطة القضائية" يكون نصا جامعا ومنظما للسلطة القضائية بمختلف أصنافها لا قوانين فروع مشرذة من القضاء وكأن الحديث عن "سلطة قضائية" مازال يسبب حساسية للبعض ممن يفضلون تسمية "جهاز القضاء" أو "قطاع القضاء" أو "سلك القضاء" أو "مرفق القضاء" ... في الوقت الذي لا يتورعون فيه عن الحديث عن السلط الجهوية والسلط الأمنية... خامس بوادر الالتفاف على استقلال القضاء: خصص التنظيم المؤقت للسلط العمومية 8 فصول للمجلس التاسيسي 11 فصلا للسلطة التنفيذية وتم تفعيل هذه الفصول بتكوين الحكومة في المقابل لم يخصص نفس التنظيم للسلطة القضائية الا فصلا أجوفا ويتيما... بقي "مهجورا" ولم يقع تفعيله لا باحداث الهيئة المؤقتة المشرفة على القضاء ولا بارساء آليات للتشاور مع ممثلي القضاء... وهو ما نتج عنه أن السلطتين التنفيذية والتشريعية حققتا انتقالا وتغييرا جوهريا بعد الثورة من خلال استبعاد رموز النظام السابق وتنظيم انتخابات في حين يقع الابقاء على وضع السلطة القضائية على ماهي عليه بل تعميق تبعيتها لوزير العدل الذي أصبح يجمع لوحده صلاحيات رئيس الدولة ووزير العدل والمجلس الأعلى للقضاء سادس بوادر الالتفاف على استقلال القضاء: ظهرت في الآونة الأخيرة تصريحات لوزراء وأعضاء في المجلس التأسيسي تروج لأنه لا يمكن منح القضاء استقلاليته طالما لم يقع تطهيره وهو موقف غير وجيه لأنه يستهدف في الواقع تعطيل اصلاح القضاء أو اجهاضه ذلك أن: - وجود رموز الفساد لم يمنع إقامة انتخابات بالبلاد تترجم فكرة تسيير الشعب لشؤونه بلا وصاية من أي كان - مشروع الجمعية بخصوص الهيئة التي ستشرف على القضاء تضمّن نصا يمنع ترشح كل من لم يكن فوق الشبهات لعضوية الهيئة - أثبتت الحكومات المتعاقبة عجزها عن فتح ملف التطهير لانعدام الإرادة لديها من جهة ولعدم قدرتها على ذلك لأن الأمر يستدعي توفر مجلس تأديب لا يمكن تصوره خارج الهيئة من 


جهة أخرى - الفساد القضائي يتغذى من تبعية القاضي لرجل السياسة ولا يمكن أن تتم مقاومته بنفس التبعية فالوصاية هي المشكل ولا يمكن أن تكون الحل أو جزء من الحل سابع بوادر الالتفاف على استقلال القضاء: بدأ الترويج مؤخرا لفزاعة حكومة القضاة سعيا للتصدي لمطالب اقرار ضمانات فعلية لاستقلال القضاء تتلاءم ووضعه كسلطة وهي مؤشرات خطيرة للالتفاف على أحد أهم استحقاقات الثورة ودعائم النظام الديمقراطي وهو ما يدحضه المنطق السليم باعتبار أن: - استقلال القضاء لا يمكن أن يكون جزئيا فإما أن يكون كليا أولا يكون ولم يعرف التاريخ قضاء مستقلا صادر حقوقا أو هتك حريات إنما ارتبط فساد القضاء وحيفه بمدى تبعيته للسلطة السياسية - تردي أوضاع القضاء مرده تبعيته للسلطة التنفيذية لذا فاصلاحه يقوم حتما على تحرره نهائيا من التبعية ولا يمكن أن يتم بحال بواسطتها - فزاعة دولة القضاء أو اصطلح على تسميته بحكومة القضاة كان في سياق مختلف عما نعيشه اليوم ولم يكن مؤداه في كل الأحوال تعسف القضاة بحقوق المواطن أو الاستبداد بل كان من نتائجها توسيع هامش الحريات وتقييد تسلط السلط السياسية للدولة واستبدادها والتمهيد لنشأة القانون الإداري ثامن بوادر الالتفاف على استقلال القضاء: قدمت جمعية القضاة مشروع قانون متكامل للهيئة التي ستشرف على القضاء ووضعته على طاولة المجلس التأسيسي منذ يوم 21 فيفري لكن اللجنة المكلفة بالنظر في مشروع القانون لم تستدعي جمعية القضاة للتشاور معها بخصوص قانون الهيئة وفقما يفرضه الفصل 22 من التنظيم المؤقت للسلط العمومية الذي ألزم المجلس التأسيسي بالتشاور في هذا الصدد مع ممثلي القضاة بل أكثر من ذلك استبعدت اللجنة المشروع دون استدعاء الجمعية وطالبت الوزارةبتقديم مشروعها في الغرض وقررت أن يتم التداول في قانون الهيئة بصفة سرية داخل المجلس التأسيسي في تغييب تام للقضاة في شأن يهمهم بدرجة أولى وتعتيم على الرأي العام عن شأن وطني يستدعي التداول فيه الشفافية والعلانية ومشاركة كل الأطراف المعنية هذا هو واقع قضائنا 
بعد الثورة




No comments:

Post a Comment