Friday, May 18, 2012

العبودية لله عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي أبو الفرج



أف لمترخص في فعل ما يكره لنيل ما يحب‏.‏
تالله لقد فاته أضعاف ما حصل‏.‏
أقبل على ما أقوله يا ذا الذوق هل وقع لك تعثير في عيش وتخبيط في حال إلا حال مخالفته‏:‏ ولا انثنى عزمي عن بابك إلاّ تعثرت بأذيالي أما سمعت تلك الحكاية عن بعض السلف أنه قال‏:‏ رأيت على سور بيروت شاباً يذكر الله تعالى فقلت له‏:‏ ألك حاجة‏.‏
فقال‏:‏ إذا وقعت لي حاجة سألته إياها بقلبي فقضاها‏.‏
يا أرباب المعاملة بالله عليكم لا تكدروا المشرب قفوا على باب المراقبة وقوف الحراس وادفعوا ما لا يصلح أن يلج فيفسد‏.‏
على أنني أقول أف لمن ترك بقصد الجزاء‏
أهذا شرط العبودية كلا‏.‏
إنما ينبغي لي إذا كنت مملوكاً أن أفعل ليرضى لا لأعطي‏.‏
فإن كنت محباً رأيت قطع الآراب في رضاه وصلا‏.‏
أقبل نصحي يا مخدوعاً بغرضه‏.‏
إن ضعفت عن عمل بلائه فاستغث به‏.‏
وإن آلمك كرب اختياره فانك بين يديه‏.‏
ولا تيأس من روحه وإن قوي خناق البلاء‏.‏
بالله إن موت الخادم في الخدمة حسن عند العقلاء‏.‏
إخواني لنفسي أقول فمن له شرب معي فليرد أيتها النفس لقد أعطاك ما لم تأملي وبلغك ما لم تطلبي‏.‏
وستر عليك من قبيحك ما لو فاح ضجت المشام فما هذا الضجيج من فوات كمال الأغراض‏.‏
أمملوكة أنت أم حرة أما علمت أنك في دار التكليف وهذا الخطاب ينبغي أن يكون للجهال فأين دعواك المعرفة‏.‏
واأسفا عليك لقد عشيت البصيرة التي هي أشرف وما علمت كم أقول عسى ولعل وأنت في الخطأ إلى قدام‏.‏
قربت سفينة العمر من ساحل القبر ومالك في المركب بضاعة تربح‏.‏
تلاعبت في بحر العمر ريح الضعف ففرقت تلفيق القوي وكان قد فصلت المركب‏.‏
بلغت نهاية الأجل وعين هواك تتلفت إلى الصبا‏.‏
بالله عليك لا تشمتي بك الأعداء‏.‏
هذا أقل الأقسام‏.‏
وأوفى منها أن أقول‏:‏ بالله عليك لا يفتونك قدم سابق مع قدرتك على قطع المضمار‏.‏
الخلوة الخلوة واستحضري قرين العقل وجولي في حيرة الفكر‏.‏
واستدركي صبابة الأجل قبل أن تميل بك الصبابة عن الصواب‏.‏
واعجبا كلما صعد العمر نزلت‏.‏
وكلما جد الموت هزلت‏.‏
أتراك ممن ختم له بفتنة وقضيت عليه عند آخر عمره المحنة كان أول عمرك خيراً من الأخير‏.‏
نسأل الله عز وجل ما لا يحصل إلا به وهو توفيقه إنه سميع مجيب‏.‏
قدرت في بعض الأيام على شهوة النفس هي عندها أحلى من الماء الزلال في فم الصادي‏.‏
وقال التأويل‏:‏ ما ههنا مانع ولا معوق إلا نوع ورع‏.‏
وكان ظاهر الأمر امتناع الجواز‏.‏
فترددت بين الأمرين فمنعت النفس عن ذلك‏.‏
فبقيت حيرتي لمنع ما هو الغاية في غرضها من غير صاد عنه بحال إلا حذر المنع الشرعي‏.‏
فقلت لها‏:‏ يا نفس والله ما من سبيل إلى ما تودين ولا ما دونه‏.‏
فتقلقلت فصحت بها‏:‏ كم وافقتك في مراد ذهبت لذته وبقي التأسف على فعله‏.‏
فقدري بلوغ الغرض من هذا المراد أليس الندم يبقى في مجال اللذة أضعاف زمانها‏.‏
فقالت‏:‏ كيف أصنع فقلت‏:‏ صبرت ولا واللّه ما بي جلادة على الحب لكني صبرت على الرغم وها أنا ذا أنتظر من الله عز وجل حسن الجزاء على هذا الفعل‏.‏
وقد تركت باقي هذه الوجهة البيضاء‏.‏
أرجو أن أرى حسن الجزاء على الصبر فأسطره فيه إن شاء الله تعالى‏.‏
فإنه قد يعجل جزاء الصبر وقد يؤخره‏.‏
فإن عجل سطرته وإن أخر فما أشك في حسن الجزاء لمن خاف مقام ربه فإنه من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه‏.‏
والله إني ما تركته إلا لله تعالى ويكفيني تركه ذخيرة حتى لو قيل لي أتذكر يوماً آثرت الله على هواك قلت‏:‏ يوم كذا وكذا‏.‏
فافتخري أيتها النفس بتوفيق من وفقك فكم قد خذل سواك‏.‏
واحذري أن تخذلي في مثلها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏
وكان هذا في سنة إحدى وستين وخمسمائة فلما دخلت سنة خمسة وستين عوضت خيراً من ذلك بما لا يقارب مما لا يمنع منه ورع ولا غيره‏.‏
فقلت‏:‏ هذا جزاء الترك لأجل الله سبحانه في الدنيا ولأجر الآخرة خير والحمد لله‏.‏

No comments:

Post a Comment