يوجد في الدّنيا نحو ستة مليارات انسي .. أو هذا آخر تعداد بلغ لعلمي.. في هؤلاء لا يوجد سوى مليار ونصف مسلم والبقية موزعون بين مسيحيين و يهود ووثنيين والقليلون من الملاحدة ..في كل هؤلاء يوجد المتجنون على الله الذي أنزل من السماء ماءا بمقدار فهو يرزق من أشرك به فجعل له ولدا والعياذ بالله ولكنه سبحانه قيّض من رحمته رزقا حتى لهؤلاء ..ولكن مع ثبوت آيات كرمه وجدت أن هناك من له من السفاهة ليتسائل عن رحمة الله كقوم موسى الذين قالوا من قبلهم ان الله فقير .. وتسائلت السفيهة عن سبب مرض الأطفال وعذابهم و الكوارث الطبيعية وغيرها - و كأن الحياة الدنيا جعلت لتكون جنة - لتدحض بظنها صفة الرحمة عن الله عزّوجل ..والكثير مما لا تفهم هو دليل عليه سبحانه تعالى فالحياة الدنيا ما جعلها الله لتعمّر و انما لتعبر وفي ذلك مناط التكليف و الجزاء فلو نظر الانسان مما خلق أدرك عظمة الله ولو نظر لعجائب خلقه و تنوع الكائنات و كل ذلك لذهل من رحمة الله الذي يملي للمشركين ..بل ويتعجل أحدهم آيات الساعة الكبرى ويتسائل عن الحجر الذي سيخاطب المسلم.. وسبحان الله ما أشبه ما قال بقوم نوح ..الذين سألوه أن يأتيهم بما وعدهم ان كان من الصادقين ..وما وعدهم هو عذاب الله ..وقد جاءهم ..ومن له محبة للتاريخ فلينظرلمنازل الأقوام السابقين اللذين عذّبهم الله فقد تركها الله للاحقين عبرة .. أما عن تعارض بعض صور الدنيا من مرض الطفل و تعذيب للكافر و تقدير للرزق فهنا الجواب يسوقه الامام ابن الجوزي للعقلاء فقط أما الحمقى فليتريّضوا بعضّ أصابعهم كما فعل أسلافهم عندما حلّ بهم عذاب الله ..وهذا قول الامام من كتابه صيد الخاطر بعنوان :"التسليم للحكمة العليا ..يقول : "رأيت كثيرا من المغفلين يظهر عليهم السخط بالأقدار وفيهم من قلّ ايمانه فأخذ يعترض .وفيهم من خرج الى الكفر ورأى أن ما يجري كالعبث وقال ما فائدة الاعدام بعد الايجاد و الابتلاء ممن هو غني عن ايذائنا .فقلت لبعض من كان يرمز الى هذا .ان حضر عقلك و قلبك حدثتك .وان كنت تتحدث من غير نظر و انصاف فالحديث معك ضائع ويحك أحضر عقلك واسمع ما أقول :
أليس قد ثبت أن الحق سبحانه مالك وللمالك الحق أن يتصرف كيف يشاء ؟أليس ثبت أنه حكيم والحكيم لا يعبث ؟
وأنا أعلم أن في نفسك من هذه الكلمة شيئا وقد سمعنا عن جاليانوس أنه قال ما أدري ان كان حكيما هو ام لا و سبب قوله هذا أنه رأى نقضا بعد احكام فقاس الحال على أحوال الخلق وهو أن من بنى ثم نقض لا لمعنى فليس بحكيم .
ولو كان جاليانوس حاضرا لكان جوابه :فبماذا بان لك أن النقض ليس بحكمة ؟ أليس بعقلك الذي وهبه الصانع لك ؟ وكيف يهب لك الذهن الكامل و يفوته الكمال ؟ و هذه محنة ابليس فانه أخذ يعيب الحكمة بعقله فلو تفكر أن واهب العقل أعلى من العقل وأن حكمته أوفى من كل حكيم لأنه بحكمته التامة أنشأ العقول .وهذا اذا تأمله المنصف زال عنه الشك ...فلم يبقى الاّ أن نضيف العجز عن فهم ما يجري الى أنفسنا ونقول هذا فعل عالم حكيم ولكن ما يبين لنا معناه و ليس هذا بعجب فقد خفي على موسى وجه الحكمة في نقض السفينة الصحيحة و قتل الغلام الجميل فلما بين له الخضر وجه الحكمة أذعن .
فليكن المرء مع الخالق كموسى مع الخضر . ألسنا نرى المائدة المستحسنة بما عليها من فنون الطعام النظيف الظريف فنقطع و نمضغ و يصير الطعام الى ما نعلم و لسنا نملك ترك الفعل لعلمنا بالمصلحة الباطنة .
فما المانع أن يكون فعل الحق سبحانه له باطن لا نعلمه .
ومن أجهل الجهال :العبد المملوك اذا طلب أن يطلع على سر مولاه فان فرضه التسليم لا الاعتراض ولو لم يكن في الابتلاء بما تنكره الطباع الا أن يقصد اذعان العقل و تسليمه لكفى .فأما الشاك و الكافر فيحق لهما الدخول الى النار واللبث فيها لأنهما رأيا الأدلة ونازعا الحكيم واعترضا عليه فبقيت نفوسهما على ما كانت عليه .فلما لم تنتفع بالدليل في الدنيا لم تنتفع بالموت و الاعادة وأما الجاحدون المبهمون المتألّون على الله "
.فأسوق لهم قول الامام هذا :
غير أن الحق سبحانه و تعالى وهب لأقوام من العقل ما يثبّت عليهم الحجة و أعمى قلوبهم كما شاء عن المحجة" "
No comments:
Post a Comment