Friday, December 3, 2010

منافقون

هذه أنا في ما يبدو لي حلَقة عقْلنة للسّب و الهجاء وإن لم أخطىء فهما مترادفان لما يسمّيه العامّه العنف اللّفظي وهو بالنّسبة لي إعلان ذاتي للحقيقة .اليوم أعلن محبّتي لكل شاعر هجّاء بدءا من المتنبّي مرورا بمظفّر النوّاب والأبنودي و أحمد فؤاد نجم و البرغوثي وكلّ من صاروا أطبّاء لقلبي العليل بالغيض لأنّي بقراءة ما يكتبون و كأنّي على شفا الحمقى و أدفع بالمرايا لوجوههم ليروا ما نرى نحن الآخرون من  .. العامّة فيهم ، وعودا لما صار بين يديّ بالصّدفة ، أضع تحت تصرّفكم هذا النّص الجيّد للشاعر أولاد أحمد لتقرّ قلوبكم به على أمل أن تجدوا الكتاب مثلي و تدْعوه لمصاحبتكم والنّص بعنوان منافقون من كتاب تفاصيل :
"يسكنون بعيدا عن الشعب 
بعضهم في قصور فخمه 
وبعضهم في سلسلة من القبور الفخمه 
لا يراهم الشّعب و لا يرونه إلاّ لماما في الأحلام المزعجه وفي الكواليس الدّوريّة التي يتبادلونها ،بمناسبة وغير مناسبة، دعما لأواصر التّوازي الطّبقي المقرّر تاريخيا عليهما .
ولولا أنّهم موجودون فعلا لداخلنا الشّك في أنّهم موجودون فعلا ولحسبناهم كائنات أسطوريّة لا شيء يدلّ على وجودها سوى شبق الخيال العلمي ـ حتى الآن عن تناول قلم أحمر وظبط الخط الفاصلما بين الشّرط الحيوان و الشّرط الإنساني وتحديدا في بلادنا التي تقع ، كماهو معلوم في الحد الأقصى من تدهور القدرة الشرائيّة وفي الحدّ الأدنى من حرّية التفكير .. الكائن في الإعلان العلمي لحقوق الإنسان في الأيّام القليلة الماضية رأينا أحدهم و كان مثقفا مدّاحا لا يعاف حاكما ولا يخجل من محكوم ، ولم تمض ليلة وشمس حتى رأينا آخر يدّعي أنّه شخصية وطنيّة ،ثمّ آخر وكان محاميا ،فآخر وكان طبيبا ،فآخر وكان مشعوذا سياسيا ،وأخيرا رأينا آخرين وكانوا ،كالعادة وطبعا ،واحتراما لأخلاقيّات المهنة ،صحفييّن مدّاحين لا يعفون حاكما ولا يخجلون من محكوم :بعضهم في الإذاعة وبعضهم في التّلفاز ،بعضهم برتبة مخبر ،وبعضهم برتبة رئيس تحرير،بعضهم يفتتح صحيفة بعامود ،وبعضهم ينهيها بعامود دون ن ينسى وضع إصبعه في زاوية ما من رأسه حتى يضفي على صورته جوّا من الوقار الزّئف ويقنع قرّاءه بأنّه يفكّر .
رأيناهم 
وكانو كلّهم ،نعم كلهم مجمعين في ما كتبوا وقالوا على أنّ بلادنا دخلت عصر السّعادة الكبرى بمجرّد التّغيير الحاصل في مؤسسة الرّئاسة ، وهو نفس لكلام الذي دأبوا على قوله ،صباحا و عشيّا لمدّة ثلاثين سنة من السّعادة الكبرى الّتي سبقت هذه السّعادة الكبرى ... حتّى غدت تونس بفضل نفاقهم نسخة طبق الأصل للجنّة الموصوفه .. وغدا رئيسها السّابق (رحمة الله عليه ،هذه من عندي ) بفضل نفاقهم أيضا إنسانا برتبة إلاه .. لا تجيز إلاّ طاعته في كل الأحوال .
وبما أنّ فضيلتهم اليتيمه تتمثّل في كونهم لا يستطيعون إبداء آرائهم "إلاّ"  بصفة شخصيّة ،أو نيابة عن زوجاتهم في أقصى تقدير ، فقد بدا كلامهم عن السّعادة الكبرى وكأنّه نقل أمين لاستشارة شعبيّة قاموا بها في اللّيل . ويمكن إستنتاج ذلك من حشد الكلمات الإمبراطوريّة المتواترة في آرائهم وكتاباتهم إبتداءا من نون الجماعة التي لا تليق بهم وصولا إلى جمع الجمع أي إلى الشّعب الذي لا ينتمون إليه .
يسكنون بعيدا عن الشعب 
ولكن المتطلّبات الماكيافليّة للدولة من ناحية ، ووعيهم الدّيناري بالوطن من ناحية أخرى يستوجبان أن نراهم ونقرأ لهم كلما أصرّت الدّولة على أن تستمرّ بنفس الأسلوب ،وبنفس الرجال (يقصد حسب رأيي نفس المهلّلين ) مع تغيير طفيف في تراتيب المسؤوليّات الّتي حرم الشّعب من المساهمة في تحديد  مضامينها و أهدافها .. " 
"لا أعرف بالضبط من قال : لا تشاهد مسرحيّة نهايتها معروفة ! ولكن الذي يمكن أن يقول ذلك هو الكاتب ، والكاتب فقط . وحده الكاتب يعرف أن السّاسة يأخذون أكاذيبهم اشخصيّة على أنّها حقائق ربّانيّة ..فيما يأخذ هو جميع الحقائق على أنّها محض أكاذيب ." إنتهى النّقل عليكم بالكتاب وهو لدار بيرم للنّشر .

No comments:

Post a Comment