جلست تحدّثني عن أيامها الماضية و لم أمانع في سماعها لعجزي الدائم عن تحديد مجال ما لخصوصيّتي .. قالت " نشأت في عائلة وافرة العدد و الحياة منذ نعومة جهدي كانت ضربا من الدراما الاغريقية المعدّلة بحكم الواقع و قد عرفت الحرمان مشوبا بالقسوة غير المبرّرة ..يد حانية لتربّط على رأسي أو شفاه حانية لتلثم خدّي ..لسنوات متقدّمة جهلت أن أحد المضغتين من الممكن أن يعرف احساساغير الخوف و الألم".. اتّكأت بجذعها على المقعد في جلسة غير مريحة ومالت بنظرها نحوي و سألتني "هل عرفت الألم " تردّدت في الجواب ثم قلت "حتما بضع مرات " ولم يكن قولي صريحا فأضفت "تعرفين كيف تسير الأمور ان اختيارنا للأحداث محدود جدّا ومن هنا يأت الألم" و كأنها فهمتني ترشّفت القهوة ثم مالت بنظرها نحو الفراغ و قد جحظت عيناها ممّا يبدو أنّه كان حوارا خاصّا مع الذّات و استطردت السؤال ان كنت استسغت طفولتي و خيّرت العزوف عن الجواب ..فأكملت الحديث قالت "كان للغول حينها وجه بالنسبة لي ..وجه أبي المتميّز بالغضب ويده التي تبطش بأجسادنا متى شاء و طالما عنّ له أن يغضب .. وذلك الباب الخشبي الأزرق أندهش كيف أنّ كلّ ذلك لم يشكل سوى قفرا مرعبا أطبق على قلبي الغضّ وما أشدّ وحشة الذّاكرة بكم من التفاصيل المهلكة تحتفظ ..لم يكن ابا سويّا و انّما رجلا غاضبا بحق .. صلف تفاصيله الخاصّة و عقله الغريب جعله يملىء أحاييني و باقي أهلي بالألم ..مبدع في تصوّر العقوبة الى ما بعد الضرب المبرح ..و آسف للدّهشة التي تطالعني بعينيك ففي سنّ الثامنة أقسم عليّ بالنوم داخل دورة المياه .. ذات شتاء و لليلة كاملة و أشرح لك ما فعلته حينها لكي أستحق ذلك العقاب فقد فعلت أمرا .. لم أكن الأولى في صفيّ الدّراسي و كانت تلك عقوبتي المستحقّة و قد قضّيتها في الخوف و البكاء و الرّعشة من البرد المؤلم و قد أغلق الباب الخشبي الأزرق دوني و نام الجميع و قد تلت تلك الليلة عدّة ليال أخرى . حتما كنت قد اهدتيت بعدها الى النّوم داخل دورة المياه بفعل الاعتياد... على شفى و صف الأبوّة ظلّ والدي و لكنّي لم أعرف ذلك لقلّة وعيى بما تختزنه الحياة من أحاسيس أخرى... لم أعرف الطفولة قط فالّلطم المفاجىء على الوجه صرف من الوجع المشوب بالّلذة .." كان عليّ أن ألاحق تهدّج نفسي المتقطع حتى أفهم المعنى ..كنت لأسعد أن أوقف مكاشفتها لي .. لا يحقّ لها ايلامي بفصل عمرها الأول و لكني سكت أتساءل عن سبب مكاشفتها لي و من أمام وعيى عادت للحديث "ان الكلام لايضاهي حجم الألم حقا و أنا لم أبرع سوى في ضمور الرغبة داخلي في العيش أيضا ..أشتهي ارتكاب الاثم لكي تطالني عقوبة مستحقة .. كانت لدي كثير من أحلام اليقظة و أب الجيران كان والدي المحب زمن فتور الوعي بمن أكون ..أذكر اسمه لو تدرين عبد العزيز ما أحلى هدوءه لم أسمع صوته أبدا و كان ذلك كافيا لأريده أبا لي .الحرمان شأن أملاه وفرة العدد كنت أقف بجوار نافذة الجيران أشهد من بعيد الصور المتحركة بلا صوت و بخيال صورة وتتلوّى لذلك روحي فلا شاشة بالبيت و الكهرباء ضيف مسائي يأتي عند حلول الظلام بتصريح من مالك المنزل ..بعد أعوام انتقمت لذلك جيّدا فقد ظللت مطولا متابعة نهمة للصور المتحركة .. لن تفهمي ما عزمت عليه ولكن صار من كل بدّ لي أن أفعل ..ولقد فكرت أنه من هم مثلك اذا توقفوا عن التقدّم فان ذلك يكون فعلا اراديا و لكن بالنسبة لي هو أمر تعتادين عليه" و لم يسعني أن أوقف مقارنتها بيننا و لم أجز لنفسي الاحتجاج على قولها فاسترسلت تخبرني عنها "لقد تعودت النوم لسنوات حيث يجب قضاء العقوبة و من الغد كنت أخالط أقراني و كأن شيئا لم يكن... حيث درجت على الاحتفاظ بتفاصيل الأمس لنفسي بمكان لا يطاله أحد لم يكن هناك من ينتبه لآثار العبرة على وجهي ..تدركين كنت اقتصد الضحك فلطالما كان التطيّر أحد ذنوبي المسترسلة فقد كنت أخشى اذا ما اسرسلت في الضّحك أن يعلّم الضّرب على جسدي ندوبا لا تندمل أبدا". نهضت تزمع الانصراف .. قلت "ظلّي بعد" قالت " لن تسعدي بتأخيري عن لحظة سعادة نادرة " فنفيت بايماءة من رأسي ...فأكّدت و قد ارتسمت نظرة مرّة بعينيها " لم أكن لأخطىء بحسن ظنّي فيك .. الى لقاء اذا شئت غدا " رفعت يدي لوداعها كانت قد أدارت لي ظهرها .على ما تراها قد عزمت لست أدري .. لم يسعني التّخمين فقد بدت لي متماسكة جدّا
No comments:
Post a Comment