Thursday, August 13, 2009

مرفأ الذاكرة

جلست الى وحدتي واضعة رأسي بين راحتي يدي أريحه بينهما من وطأة الفراغ و تطلعت اليه من خلف ستار النافذة يرفع القمامة من الشارع بجهد محموم و كأن المدينة كلها تراقبه او أن وجه المدينة القبيح سيتجمل بحركته المنزوية حول الرصيف وبقايا عمره .. كانت حركته تراجيدية.. ينكفىء كل دنم ليرفع من الثرى شيئا ألقته يد عابثة داخل عربة بشعة سريعا ما سينوء بحملها و تذكرت أن وقفتي العابثة و راء النافذة تجلب لي الكثير من الكدر . استلقيت في أحد أوضاعي المريبة التي لا تليق بفتاة في العاشرة وتطلعت الى الفراغ أتعهّد همجيّتي بالنظر و تذكرت أحداث الزمن القديم عندما كنت أجري كالمعتوهة حيث تقودني قدماي .. و قرّرت الخروج للسّير على تلك الدروب .. بذلك الوقت المتأخر قدت سيارتي نحوها تغيّر المشهد كثيرا الا أنّي طالعت الرصيف الذي لا يزال حيث هو.. و تذكّرت كيف أنّي كنت أشقي نفسي بتتبّع حافّة الرّصيف .. و كم ألقيت بهامتي على الاسفلت وآذيت ركبتيّ نتيجة اصراري على الغباء ...و لكني لم أرتدع ...و تلك المرّات الأخرى التي اصطدمت فيها بعمود الانارة و سعدت بانتفاخ جبهتي و تغيّر لونها أمام ضحك بعضهن و ابتسامة دافئة من منيرة تلك الصّديقة الجميلة التى فقدت بعد انتقالي من تلك الدروب ... و تذكرت منزل المجانين و كيف كنت اقترب منه لاستراق النظر و مشاهدت والدتهم وهي تجاهد في الاعتناء بهم . لم أكن مسرحية الحركة فالبعض كان ينتقل الى الجهة الأخرى من الرصيف و أنا كنت أدّعي أن في ذلك الفعل مغالاة غير مقبولة ... فالمساكين كانوا حقّا خلف أسوار مغلقة ولم أكن أرى من داع من اصطناع الخوف منهم .. و تذكّرت يوما كنت أسير فيه راجعة من المدرسة وشاهدت باب ذلك البيت مفتوحا على مصراعيه ... خرج أحدهم منه وهو يصفّق بعد أن أشعل االنار في بيتهم ذاك ويبدو أن أمهم الرؤوم فتحت لهم الباب لتضمن لهم النجاة و يبدو أنه عقل ذلك فقام يصفّق ..لم أعلم ما حصل بعد ذلك لأنّي لذت بالفرار فلم أكن سوى في العاشرة .. والجري بعته كان من أحد خصالي التي ضمنت لي السّلامة فقد كان يسمح لي بالانعزال عن الكافّة .. تمنّيت أن أبقى مطوّلا غير أن النظرات المتسائلة التى حدجتني ذكّرتني بضرورة الانطلاق نحو المحطة الأخرى لمرفأ ذاكرتي تلك المقبرة الجميلة التي طالما راقبت من الجهة الأخرى من الطريق من بين سياج محطة المترو أطالع جمالها بكل صدق و أنظر اليها منصهرة في نفسها وكأنها تنبض بالحياة لا بالموتى تلك التي أحبّ بصدق مشوب بالخبل حتما فمن ذلك الذي يتملىّ جمال مقبرة الاّ أنا ولطالما فعلت .. .قفلت الأطياف راجعة للاضمحلال برأسي.... و عدت لحالتي الأولى أراقب المارة في سيرهم و أذكّر نفسي بالطريق .دخلت المنزل و غيّرت ملابسي على عجل.... وتذكرت كيف أنيّ في صغري كنت أنام بملابسي و أحيانا بميدعة المدرسة و حرّكت رأسي ذات اليمين و اليسار أطرد الذاكرة منه و أحاول اسقاطها بعيدا عن الوسادة و لكنها أبت .....ففكرت كيف أنيّ لهذا العمر أشتهي أن أمشّط شعري كل يوم ولا أقدر لأنّي أنسى فذات المعتوهة تلك لا تزال برأسي تأبى أن تغيّر من شأنها وبينها وبين عمري أظلّ على نفس المسافة من الغباء و ملاحظات أمي التي لا تنتهي على ضرورة الجلوس بطريقة لائقة من الصعب عليّ أن أحاول لا غرباء يدخلون بيتنا و ان كنت أنام على مرمى حجر من باب الخروج على كنبة بيت الاستقبال ... لا لن أتغير فلا أشدّ وطأة على النفس من الذّاكرة ولن أهتدي لغير ما أنا عليه ...معتوهة تحبّ بصدق مقبرة ..لا تلمّ بالمدنيّة الاّ لماما وأنا على ما أنا عليه على ما يبدو قليلة الغنيمة سوى من بنات فكري أخطّها ههنا بعبثية دائمة ...

No comments:

Post a Comment